هذه المُفرَدة التاريخية تَتَحَدَّث عن خلافات ووقائع وأسباب ثورة الأمير الشريف إسماعيل بن يوسف الأخيضر الأول بن إبراهيم بن موسى الجَوْن الحسنية الهاشمية القرشية في نواحي الحجاز غرب الجزيرة العربية في أيَّام أحمد المستعين العباسي (220-252 هجرية) عند الطبريُّ في تاريخه (تاريخ الأمم والملوك، محمد بن جرير الطبري (224-310 هجرية)، تحقيق أبو صهيب الكرمي، ط1، 1424 هجرية، 2003 ميلادية، بيت الأفكار الدولية، عمان، الأردن، ص 1968) المشهور بتاريخ الطبري وهي رواية فيها بعضُ تفصيلات يُعَارِضُها ما أَوْرَدَهُ اليعقوبي في تاريخه (تاريخ اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح الكاتِب العَبَّاسِي المعروف باليعقوبي (... – بَعْدَ 292 هجرية)، تحقيق عبد الأمير مهنا، ط1، 1431 هجرية، 2010 ميلادية، شركة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، ج 2، ص 464)، وهذا نص ما رَوَاهُ الطبري في تاريخه:
ذكــر خبر خروج إسماعيل بن يوسف بمكة
وفيها ظَهَرَ إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بمكة، فهرب جعفر بن الفضل بن عيسى بن موسى العامل على مكة، فانتهَبَ إسماعيلُ بن يوسف منزلَ جعفر ومنزلَ أصحاب السلطان، وقَتَلَ الجُنْدَ وجماعةً من أهل مكة، وأَخَذَ ما كانَ حُمِلَ لإصلاح العين من المال وما كانَ في الكعبة من الذهب، وما في خزانتها من الذهب والفضة والطيب وكسوة الكعبة، وأخذَ من الناس نحواً من مائتي ألف دينار، وأَنْهَبَ مكةَ، وأحرقَ بعضها في شهر ربيع الأول، منها، ثُمَّ خرَجَ منها بعدَ خمسين يوماً، ثُمَّ صارَ إلى المدينة، فتوارَى عليُّ بن الحسيْن بن إسماعيل العامل عليها، ثُمَّ رَجَعَ إسماعيلُ إلى مكة في رجب، فحَصَرَهُم حَتَّة تَمَاوَتَ أَهلُهَا جوعاً وعطشاً، وبَلَغَ الخبزُ ثالث أوراق بدرهم، واللحمُ رطل بأربعة دراهم، وشربة ماءٍ ثلاثة دراهم، ولَقِيَ أهلُ مكةَ من كًلَّ بلاءٍ، ثُمَّ رَحَلَ بَعْدَ مقامِ سبعة وخمسين يوماً إلى جدة، فحَبَسَ عن الناسِ الطعامَ، وَأخَذَ أموال التجار وأصحابَ المراكب، فَحَمَلَ إلى مكة الحنطةً والذرةُ من اليمن، ثُمَّ وَافَتْ المراكبُ من القلزم.
ثُمَّ وافَى إسماعيلُ بن يوسف الموقِفَ، وذلك يوم عرفة، وبِهِ محمد بن أحمد بن عيسى بن المنصور المُلَقَّب كعب بقر، وعيسى بن محمد المخزومي صاحب جيش مكة - وكانَ المعتزُّ وجههما إليه فقاتلَهُم، فَقُتِلَ نحو من ألف ومائة من الحاج، وسَلَبَ الناسَ، وهَرَبُوا إلى مكة، ولم يَقِفُوا بعرفة ليلاً ولا نهاراً، ووقَفَ إسماعيلُ وأصحابُهُ، ثَمَّ رجعَ إلى جدة فأفْنَى أموالَهَا.
انتَهَى نصُّ الخَبَرِ المَرْوِيِّ.
وهو نَصٌّ مُكَوَّن من فقرتين يمكن تقسيمها حسب الوقت:
1 – فقرة تتحدث عن أحداث دراتْ قبل موسم الحج.
2 – فقرة تحدث عن أحداث دَارَتْ في موسم الحج.
ويمكن تصنيف هذه الأحداث حسب مكان وقوعِهَا:
1 - أحداث دارتْ في مكة المكرمة في وقتين مختلفين.
2 - أحداث دَارَتْ في المدينة المنورة.
3 - أحداث دارَتْ في جدة.
ويمكنُ القوْلُ بأنَّ هذا الخبر أشارَ فيه الطبري إلى النقاط التالية:
1 – انطلاق ثورة الأمير الشريف إسماعيل في مكة ولم يذْكُــر سَبَبَ ثورته ولا من يكون أصحابه الثائرون معه.
2- أَخْذِ الأمير الشريف إسماعيل الذهب والمال من الكعبة.
3 – خروج الأمير الشريف إسماعيل من مكة بَعْدَ انطلاق ثورتِهِ بخمسين يوماً ورحيله إلى المدينة المنورة.
4 – رجوع الأمير الشريف إسماعيل إلى مكة المكرمة مرة أخرى وحصارِهِ لأهلها في شهر رجب.
4 – رحيل الشريف إسماعيل من مكة المكرمة إلى جدة بَعْدَ حصارِهِ لأهل مكة مدة ٥٧ يوماً.
5 - أخَذ الأميرِ الشريف إسماعيل أموال التجار وأصحابَ المراكب وحَمْلِه الحنطةً والذرةُ من اليمن إلى مكة المكرمة.
6 – قدوم الأمير الشريف إسماعيل إلى موقف عرفات في يوم عرفة في مكة المكرمة ووقوفه وأصحابه بها لأداء مناسك الحج.
7 – قتالِهِ لجند وجيش عُمَّال بني العبَّاس وهزيمتهم وهروبهم إلى داخل مكة المكرمة من موقف عرفة.
8 – رجوع الأمير الشريف إسماعيل إلى جدة مرة أخرى وإفنائِهِ أموالَهَا.
ورواية الطبري هذه يشوبها اضطرابٌ ونقصٌ وخَلْطٌ أشارَ إليهم الأستاذُ أيمنُ بن سعد النفجان في كتابه (الأمارة الأخيضرية، ط1، 1431 هجرية، 2010 ميلادية، دار المؤلف للنشر، عنيزة، السعودية، ص 39) مُعَلِّقَاً في الحاشية على هذه الرواية: "اعْتَمَدَ المؤرخون المُتقدمون والمُتأخرونَ في نقلِهِم لأخبار الأخيضريين في الحجاز على رواية الطبري والتي يَشُوْبُهَا الاضطراب والنقص، ولم يُشيرُوا إلى رواية اليعقوبي والتي تُقَدِّمُ تفصيلاً أكثر خاصةً عن الأسباب التي أَدَّتْ لقيام ثورتِهِ؛ إِلَّا أَنَّهَا وصلتنا ناقصةً، على أي حالٍ فإنَّ استعراض الروايتَيْنِ، بالإضافة إلى بعض ما وَرَدَ في المصادر التاريخية الأخرى، وكُتب الأنساب العلويَّة تُقَدِّمُ صورةً أكثر دِقَّة لأخبار الأخيضريين في الحجاز" و " خَلَطَ الطبريُّ ما بين تاريخ قيامِهِ (يقصدُ الشريف إسمعيل بن يوسف الأخيضرية) سنة 251 هجرية، وتاريخ عودَتِهِ للاستيلاء على مكة سنة 252 هجرية ومِمَّا يَدُلُّ على ذلك أنَّهُ ذَكَــرَ أنَّ المعتز أرسَلَ جيشاً في موسم الحج مع أنَّهُ لمْ يَسْتَلِم السلطة إِلَّا في عام 252 هجرية " (الأمارة الأخيضرية، أيمن بن سعد النفجان، ط1، 1431 هجرية، 2010 ميلادية، دار المؤلف للنشر، عنيزة، السعودية، ص 43).
وأحداث ثورة الأمير الشريف إسماعيل بن يوسف الأخيضر الأول الأخيضرية الحسنية الهاشمية في أيَّام المُسْتَعيْن بالله العبَّاسي ( 220-252 هجرية) دارَتْ رَحَاها في الحجاز ثأراً لتَحَامُل عامل بني العباس عليه في وقفٍ له وذلك بَعْدَ دخول ذراري عبدالله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب الهاشمية القرشية في عرب بوادي الحجاز ونجد لقلة المُناصرين لهم من الحواضر بَعْدَما أصبَحَ أكثرُ سُكان مدُن الحجاز من غير العرب والموالي إذ يصِفُهُم المُعاصرُ لهم الأميرُ الشريف محمدُ بن القاسم الرسِّي الرسية الحسنية الهاشمية (...- ٢٨٤ هجرية) بقوله: "ولا أَعْلَمُ في أهل المُدُن كلهم أَشد لكُم بُغضاً ومَقْتاً وعداوةً من أهلِ قصبة مكة والمدينة" بَعْدَ خروج قريش والعرب منهمَا وصارَ أهلهما من العباسية وعُمَّالِهم ومواليهم المُضَادِيْنَ لذراري علي بن أبي طالب وحلفائهم من العرب، انظُر (...، ص 26، 40، 41، 42).
وأمَّا مسألة أخذ الذهب من الكعبة فيذْكُــرُ اليعقوبي في تاريخه أنَّ محمد بن حاتم من أهل مكة اقتَرَح على ابن يعقوب أن يقتلعَ ما في الكعبة ممن ذهب وفضة ويعطيه الناسَ لمُحاربة إسماعيل وأخذَ ابن يعقوب بذلك الاقتراح فقَلَعَ الذهبَ في رواية اليعقوبي ويَذْكُــرُ الجزيريُّ والسنجاريُّ أنَّ جعفر بن الفضل العباسي المُلَقَّب بشاشات هو الذي أَخَذَ الذي حُلِّيَ بِهِ مقام إبراهيم وضرَبَهُ دنانير لمُحاربة إسماعيل، انظُر (الأمارة الأخيضرية، أيمن بن سعد النفجان، ط1، 1431 هجرية، 2010 ميلادية، دار المؤلف للنشر، عنيزة، السعودية، ص 43).
وأَمَّــا خلافُ الأمير الشريف إسماعيل بن يوسف الأخيضرية الحسنية الهاشمية فكانَ مع العباسية من عُمَّال وصاحب جَيْش وموالي وليس خلافه مع الحُجَّاج ليقتُلَهُم ويَنَهَبَ الناسَ في يوم عرفة !، وهذا يدعو للتساؤل، فإذا كانَ القتلى فقط من الحجاج فأين القتلى من جند كعب بقر صاحب الجيش الذين أرادُوا منعَ إسماعيلَ بن يوسف من الوقوف بعرفة؟ وتسببتْ مُحاولةُ المنع تلك في حصولِ الصِّدَام بين الطرفين، فهل كانَ جند كعب البقر مُحرمين بالحج مثل الشريف إسماعيل بن يوسف وأصحَابِهِ؟، ولذلك هم الموصفين بالحجاج الذين بلَغَ قتلَاهُم ألفاً وخمسمئة نفس، وما أورده المؤرخ اليعقوبي في تاريخه وضحَّ هوية هؤلاء القتلى الكثيرون وسبب مقتلهم وسنتحدث عن ذلك في مفردة خاصة بذلك.
مصدر الصورة
(تاريخ الأمم والملوك، محمد بن جرير الطبري (224-310 هجرية)، تحقيق أبو صهيب الكرمي، ط1، 1424 هجرية، 2003 ميلادية، بيت الأفكار الدولية، عمان، الأردن، وبالله التوفيق).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق