الجمعة، 12 فبراير 2021

مُنَاقَشَة خَبَر رحيل ربيعة ومُضَر من اليمامة إلى مصر في كتاب (صوة الأرض) ابن حوقل قَبْلَ تأسيس الأشراف الأخيضرية الحسنية الهاشمية لدولتِهِم في اليمامة نواحي نجد وسط الجزيرة العربية عام 252 هجرية.


هذه المُفرَدة التاريخية تُنَاقِشُ أسباب رحلة جماعات من ربيعة ومُضَر من نواحي اليمامة وسط الجزيرة العربية إلى مناطق التعدين في ديار مصر وأسباب هذه الرحلة التي أَوْرَدَ خَبَرَهَا ابنُ حوقل في موضعين من كتابه (صورة الأرض، أبو القاسم محمد بن علي الموصلي الحوقلي البغدادي المتوفَّى في عام ٣٦٧ هجرية، ط١، ١٩٩٢ ميلادية، دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان):
  
١–الصفحة: ٣٨، (... وأَمَّــا اليمامة فوادٍ، والمدينة به تُسَمَّى الخضرمةُ دون مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي أكثر نخيلاً وثمراً من المدينة ومن سائر الحجاز. وكانَتْ قراراً لربيعة ومضر، فلما نَزَلَ عليها بنو الأخيضر جَلَتْ العربُ منها إلى جزيرة مصر، فسكنُوا بين النيل والقُلْزُم وقَرَّتْ ربيعةُ ومضر هناك، وصارَتْ لهم ولتميم كالدار التي لم يزالوا بها، وابْتَنَوا بها غير منبر: كالمحدِثة التي بظاهر أسوان، وكالعلَّاقي وهو المنهل يجتازُ به الحجيج إلى عيذاب وهم أهل معدن الذهب وإقامتُهُم عليه في أمورٍ سآتي على ذكرها في أماكنها.)، وهو خبر غير مؤرخ لرحيل جماعات من ربيعة ومضر وتميم من نواحي اليمامة إلى ديار مصر وأخذهم لمناجم التعدين هناك وأَشَارَ ابنُ حوقل في نهاية الخبر أنَّهُ سيأتي على ذكرِ أمور تتعلًّقُ بالخبر في أماكنها.

٢-الصفحة: ٥٨، (... وَصَادَفَ ذلك دُخُولَ محمد بن يوسف الحسني الأخيضر اليمامة، وانقِشَاعِ أهلها من جَوْرِهِ إلى أرض مصر والمعدن في آلافٍ كثيرة، فغلبُوا على من كانَ بها من أهل الحجاز لسَنَتِهِم وفوْرِهِم، وتَكَامَلَ بالعلَّاقِي قبائلُ ربيعة ومُضَرَ وهم جميعُ أهل اليمامة في سنة ٢٣٨.)، وهو خبر آخر لرحيل جماعات من ربيعة ومضر من نواحي اليمامة إلى ديار مصر وأخذهم لمناجم التعدين هناك في عام ٢٣٨ هجرية وهو تفصيل للخبر الذي قَبْلَه على ما يبدو من كلامه في الخبر السابق. 

وهاذين الخَبَرَيْن أَشَارَا إلى سبب هذه الرحلة بعبارة: "فلما نَزَلَ عليها بنو الأخيضر جَلَتْ العربُ منها إلى جزيرة مصر" وعبارة أخرى: " وَصَادَفَ ذلك دُخُولَ محمد بن يوسف الحسني الأخيضر اليمامة، وانقِشَاعِ أهلها من جَوْرِهِ إلى أرض مصر والمعدن" وهو نزول محمد الأخيضر الأول وبنو الأخيضر وجور محمد الأخيضر الأول على الراحلين من أهل اليمامة دون تقديم تفصيل أكثر لسبب هذا الرحيل، وسببُ هذا الرحيل أَشَارَ إليه الأستاذُ أيمن النفجان في كتابه (الأمارة الأخيضرية، أيمن بن سعد النفجان، ط١، ١٤٣١ هجرية، ٢٠١٠ ميلادية، دار المؤلف للنشر، عنيزة، السعودية، ص ٧٦-٨٠) بقولِهِ: يبدُوا أَنَّ الصراعَ على معادن اليمامة كانَ هو السبب الرئيس لهذا الصراع القديم" ومن خلال قراءته لما ورَدَ عند الهمداني والأصفهاني من أنَّ بعض المعادن في عالية نجد كانَتْ بيد الربعيين فقد استَنْتَجَ أخذ الربعيين لهذه المعادن من القيسيين ثُمَّ استعادَة القيسيين لتلك المَعَادِن من الربعيين بَعْدَ دخول الأشراف الأخيضرية الحسنية الهاشمية للبادية وأَشَارَ إلى ترجيح الدكتور عبدالمجيد عابدين مُحقِّق كتاب (البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب) أَنَّ ولاة العباسيين في مصر شَجَّعُوا القبائل النجديَّة على الهجرة للعلاقي لتَتَوَقَّفَ قبائل البجة عن غزو قُرَى الصعيْد ويُعَلِّلُ الأستاذُ أيمنُ النفجان اختيار المتوكل العباسي لأهل اليمامة لما عُرَفَ عنهم من شدة بأس لمواجهة قبائل البجة القوية وأيضاً لمعرفتهم الجيدة بالتعدين، وأشَارَ كذلك لما أورَدَهُ المقريزي في كتابه (المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار) أنَّ هناك هجرات أخرى لقبائل ربيعة من اليمامة إلى العلاقي حدَثَتْ بَعْدَ ذلك؛ إحداها حَدَثَتْ في عام ٢٥٥ هجرية وتمَكَّنَتْ قبائلُ ربيعة من العلاقي وأقامُوا دولة قوية استمرَّتْ حتى القرن السادس الهجري.

وأسباب هذا الرحيل ذَكَــرَتْهَا المصادرُ المخطوطة القديمة المُتَنَاقَلَة من أيَّام الدولة الأخيضرية (٢٥٢-٤٥٠ هجرية) وهي أسباب وخلافات حول التعدين في مناجم سُلَيْم وفروع هوازن نواحي الحجاز ونجد، وهوازن هم مالكو هذه المناجم التي تقعُ في ديارهم القديمة وخلافاتهم مع العرب الآخرين العاملين فيها قديمة من قبل ظهور الإسلام وبَعْدَ ظُهُوْرِهِ وهذا الخبر الذي أَوْرَدَهُ ابنُ حوقل في عام ٢٣٨ هجرية هو في أيَّام الأشراف بني يوسف الأخيضر الأول بن ابراهيم الأخيضر بن موسى الجون الحسنية الهاشمية في بادية سُلَيْم وهلال وهوازن نواحي الحجاز ونجد قَبْلَ تأسيس الأشراف الأخيضرية الحسنية الهاشمية للدولة الأخيضرية في اليمامة وأخذهم للخضرمة عاصمةً لحكمهم من آل أبي حفصة في عام ٢٥٢ هجرية ولأجل هذه الخلافات عُقِدَتْ مجالسُ الحكم العشائرية بين الطرفين في عام ٢٣٨ هجرية وسُمْعَتْ حججُ الطرفين وحَكَمْتْ الأشرافُ الأخيضريةُ الحسنية الهاشمية لصالح هوازن لأَنَّهُم مالكيها وعلى العرب العاملين الالتزام بالاتفاق القديم مع هوازن حيثُ العربُ العاملون هم ضُمَنَاءُ للاتفاق وليسُوا مالكين وبَعْدَ صدُور الحُكْمِ لم تقبل العربُ الضَّمَناءُ الصُّلْحَ مع هوازن وقرَّرُوا الانسحابَ من الاتفاق القديم والرحيل إلى مناطق تعدين أخرى ورحَلُوا ومعهم رؤساء العُمَّالِ والعُمَّالِ إلى مناجم المعادِن في ديار مصر. 

وأَمَّــــــا قول ابن حوقل عن الراحلين إلى ديار مصر : "وهم جميعُ أهل اليمامة في سنة ٢٣٨ هجرية" عَارَضَهُ الأستاذُ أيمنُ النفجان الذي نَبَّهَ أَنَّ البعض من قبائل ربيعة ومضر قَدْ ارْتَحَلَ وليس جميعُهَا، فغالبية سكان اليمامة هم من مضر وربيعة قبل قدوم الأخيضريين وبَعْدَ قدومهم، ورَجَّحَ أَنَّ مُناصري الأخيضريين هم أيضاً من قبائل ربيعة ومضر، وبقي الحنفيون من ربيعة في الكثير من المواضع في اليمامة وحتَّى بالقُرْبِ من الخضرمة، وبقي أيضاً بنو تميم المضرية في الكثير من مناطق اليمامة، واسْتَنْتَجَ من هذا أَنَّ هذا الارتحال كانَ لبعض قبائل ربيعة ومضر، ومن بعض مناطق اليمامة وليس ارتحالاً أَدَّى إلى فراغ اليمامة من ربيعة ومضر، (الأمارة الأخيضرية، أيمن بن سعد النفجان، ط١، ١٤٣١ هجرية، ٢٠١٠ ميلادية، دار المؤلف للنشر، عنيزة، السعودية، ص ٧٦-٨٠)، وهذه الجماعات الراحلة هم من العاملين في قطاع التعدين دون العاملين في قطاع الزراعة ويؤّكِدُّ ذلك مَا وَرَدَ في المصادر المخطوطة القديمة المتناقلة جيلاً عن جيل من أيام الدولة الأخيضرية (٢٥٠-٤٥٠ هجرية) التي ذَكَرَتْ أَنَّ الراحلَون هم العاملون في قطاع التعدين أصحاب الخلاف مع هوازن وليس جميع أهل اليمامة ومَنْ لم يرحل من ربيعة ومضر حَالَفَ الأشرافَ الأخيضريةَ الحسنيةَ الهاشميةَ وصاهروهم واختلطوا بهم في الديار في أيام الدولة الأخيضرية وبعد سقوط الدولة الأخيضرية ومنهم من رحل مع الأشراف القواسم الأخيضرية الحسنية الهاشمية بَعْدَ سقوط الدولة الأخيضرية إلى جنوب غرب الجزيرة العربية وصحبوهُم في الرحلات ما بين نواحي نجد ونواحي اليمن والجنوب واشْتَرَكُوا معهم في الواقعات منذ ذلك الحين إلى النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري نواحي نجد وسط الجزيرة العربية.
 
قُلْتُ: ومن يرحل يعُودُ هو أو ذراريه بَعْدَ ذلك في توارد كبير أو في رحلات على فترات، فالعرب قديماً كانَتْ تَرْحَلُ وتَعُوْد.

(أُعِدَّتْ مُلَخَّصَة من المَصادر المطبوعة والمَصادر المخطوطة القديمة وبالله التوفيق).
مصدر الصور:
كتاب (صورة  الأرض، أبو القاسم محمد بن علي الموصلي الحوقلي البغدادي المتوفَّى في عام ٣٦٧ هجرية، ط١، ١٩٩٢ ميلادية، دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان). 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق