هذه المُفردة التاريخية تَتَحَدَّثُ عن سقوط الدولة الأخيضرية باليمامة عام ٤٥٠ هجرية، فبَعْدَ نزُولِ الأمير الشريف محمد الأخيضر الأول بن يوسف الأخيضر الأول الحسنية الهاشمية من نواحي الحجاز غرب الجزيرة العربية إلى نواحي نجد وسط الجزيرة العربية أَخذَ حُكْمَ اليمامة واتَّخَذَ الخضرمة في اليمامة داراً لحكْمِهِ بمساعدَة هوازن أصهاره وأبناء عمومته وعُصْبَتهِ في حلف عَدْنَان وأَسَسَّ الدولةَ الأخيضرية في اليمامة نواحي نجد في نحو عام ٢٥٠ هجرية.
وفي أيام الدولة الأخيضرية (٢٥٢ – ٤٥٠ هجرية) حصَلَتْ للأشراف الأخيضرية واقعتان مع القرامطة:
الواقعة الأولى في نحو عام ٢٩٥ هجرية؛ وهَجَمَ فيها القرامطةُ على الأشراف الأخيضرية قادمين من شرق الجزيرة العربية إلى إقليم اليمامة وأرادَ الأخيضرية منعهم من عبور أراضي اليمامة إلى مكة المكرمة واليمن وأخَذَ القرامطةُ يبرين من هوازن حلفاء الأشراف الأخيضرية وثَبَتَ الأشرافُ الأخيضريةُ في أرض الموقعة وولَّى أنصارُهم من العرب والأتباع هاربين من أمامِ القرامطةِ وأَعْمَلَ القرامطةُ السيفَ في الأشراف الأخيضرية قتلاً وأَسْراً وأطلقَ القرامطةُ الأسرى فيما بعد استجابةً لطَلَب وزير الخليفة المقتدر بالله العباسي.
الواقعة الثانية في نحو عام ٣١٦ هجرية؛ وهَجَمَ فيها القرامطةُ على الأشراف الأخيضرية قادمين من شرق الجزيرة العربية إلى إقليم اليمامة وأرادَ الأخيضريةُ منعهم من عبور أراضي اليمامة إلى مكة المكرمة واليمن مَرَّة أخرى ووَاقَعُوْهُم عند الغَيْل من بلاد الأفلاج وعُرِفَ هذا اليوم بيومِ الغَيْل نِسْبَةً إلى موضع الواقعة وثَبَتَ الأشرافُ الأخيضريةُ في أرض المعركة وولَّى أنصارُهم من العرب والأتباع هاربين من أمامِ القرامطةِ وأَعْمَلَ القرامطةُ السَّيْفَ في الأشرافِ الأخيضريةِ قتلاً وكانَتْ مَلْحَمَة شنيعة ومِنْ بَعْدِ هذه الواقعة ما رَفَعَ السَّادَةُ الأشرافُ الأخيضريةُ سيفاً على أحد في الغالب لعلمهم بقلة الأنصارِ الصَّادقين وكثرة الأضداد حولهم وقلة عَدَدِهِم وكثرةِ عَدَدِ أتباعِهِم وما جَرَى عليهم في هذه الوقعة والتي قَبْلَهَا.
ومع أنَّ واقعتَي الأشراف الأخيضرية مع القرامطة أدَّتْ إلى إشغال الدولة الأخيضرية عن الإصلاحات والإعمار فإنها لم تكن العامل الرئيسي المُباشر في سقوطها واستمَرَّتْ بعد ذلك صامدةً في فترة مُهادنَةٍ للقرامطة وأَمَّا العاملان الرئيسيان المُباشران اللذان تَسَبَّبَا في سقوطها فهما موجة القحط وأضدادهم من صنائع العباسيَّة كما سيأتي معنا.
وفي النصف الأول من القرن الخامس الهجري بَدَأَتْ موجةُ القحط والجفافِ تَضْرِبُ نواحي الجزيرة العربية وعلى إثرها نزَلَتْ عشائر من بلاد اليمن من صنائع العَبَّاسِيَّة من اليهود اللاحقة في أحلاف العرب والفُرْسِ البرامكة وصنائِعِهم وقليلٌ من العرب وغيرهم إلى عَقِيْق عُقَيْل بن كعب العامرية الهوازنية نواحي نجد وسط الجزيرة العربية واسْتَقَرٌّوا في جوار حلفائهم بين العرب وأبناء عمومتِهِم من يهود العقيق في أيَّام الدولة الأخيضرية، وبَعْدَ استقرار هذه الأضداد من الأقوام الموالية للعباسية والقائمة بدعوتهم والمناوئة للأشراف الأخيضرية في نواحي نجد في عام ٤٣٠ هجرية بَدَأَتْ فترة تضعضُعِ الدولة الأخيضرية (٤٣٠ – ٤٥٠ هجرية) والتي امتدَتَّ ٢٠ عشرين سنة وبدأَتْ هذه الأضداد العباسيَّة من اليهود السليمانية بعد هذا النزول بالمؤامرات وتحريش العرب ضد الأشراف الأخيضرية كما سَعَتْ أسلافُهُم قبل ذلك في إسقاط الدولة الرسيَّة في صعدة شمال اليمن واتَّفَقُوا على تدبير الخلافات وعُقِدَتْ مجالسُ القضاء الشرعي والأحكام العشائرية في الخضرمة وأَصْدَرَ الأشرافُ الأخيضريةَ الأحكامَ بخصوص هذه الخلافات وقامُوا بتأليب أمراء وشيوخ العرب ضد الأحكام الصادرة من الأشراف الأخيضرية ووَاصَلُوا افتعالَ المشاكل والخلافات بين العرب وتحريض العرب ضدَّ أحكام مجالس قضاء الأشراف الأخيضرية لإسقاط دولتِهِم ونَفَخُوا في نارِ العصبيةِ لإشعالها بين مجموعة قحطان ومجموعة عدنان المُتَمَثِّلَة في هوازن ومع اشتداد موجة القحط والصراع على المَرَاعي وموارد المياه ووطأة الوقائع والمُضايقات والضَّغْط على فروع هوازن نواحي نجد من مجموعة قحطان بدَأَتْ فروع هوازن من هلال وسُلَيْم وأحلافهما بالرَّحيْل من نواحي نجد من ديارهم القديمة إلى الغرب وفَقَدَتْ الأشرافُ الأخيضريةُ برحيل فروع هوازن من نواحي نجد أَهَمَّ حليفٍ ومُسَانِدٍ لهم وهُم قوتهم الضَّارِبَة في فترة امتَدَّتْ عبر عُمْرِ الدولة الأخيضرية (٢٥٢ – ٤٥٠ هجرية) قرابة القرنين واستمَرَّتْ فترةُ ذروة رحيل فروع هوازن والقحط في فترة التضعضُع (٤٣٠ – ٤٥٠ هجرية) وبَعْدَ شعورِ الأشراف الأخيضريَّة بالمكائد على دولتِهِم من هؤلاء الأضداد العباسيَّة في فترة التَّضَعْضُع (٤٣٠ – ٤٥٠ هجرية) أَضافَ الأشرافُ القواسمُ الأخيضرية الحسنية الهاشمية القرشية الهلالَ الأخضرَ في وسط رايتهم الراية البيضاء راية الأخيضرية راية قريش القديمة وأضَافُوا في وسط الهلال الأخضر عبارتَي: (الله أكبر) و(القواسم) والهلال يرمُزُ إلى النصر على هذه الأضداد المُتآمرة والظَّفَر بهم وبعدما عَلِمَ الأشرافُ الأخيضريةُ بتدبيْرِ هذه الأضداد العباسية والتابع الكردي أبوالعسكر الألف قائد جيش الأخيضرية للهجوم عليهم في عُقْرِ دار حُكْمِهِم في الخضرمة للقضاءِ عليهم قَرَّرُوا الرَّحِيْل عنها لتسقطَ الدولةُ الأخيضريةُ في عام ٤٥٠ هجرية بهذا الرحيْل ونزَلُوا بجوار من بقي من حلفائهم هوازن في ديار هوازن القديمة في أودية وشعاب المَجَازة وبُرَيْك ونَعَام نواحي نجد للاحتماء فيها من تلك الأقوام المُعادِيَة.
وبَعْدَ استقرار الأشراف بني يوسف الأخيضر في ديار هوازن القديمة المذكورة قَرَّرَ الأشرافُ بنو الأمير أحمد حُمَيْدَان بن يوسف الأخيضر الثاني الأخيضرية الحسنية الهاشمية البقاءَ مع هوازن مُتَنَقِّلِيْنَ معهم في البوادي والمَراعي وموارد المياه والديار نواحي نجد وسط طُوَيْق وأَمَّا أبناء عمومتهم الأشراف القواسم ذراري القاسم بن محمد زُغَيْب الأخيضر الثاني بن يوسف الأخيضر الثاني الأخيضرية الحسنية الهاشمية قَرَّرُوا الرَّحِيْلَ من ديارهم في ديار هوازن القديمة في أودية وشعاب المَجَازة وبُرَيْك ونَعَام نواحي نجد إلى جنوب غرب الجزيرة العربية ديار قحطان بين العرب ووَصَلُوا إلى شمال اليمن نواحي صَعْدَة وصَعَدُوا الوَعْرَ ومعهم إبلهم وأمتعتهم وحَطَبُهُم ومعهم أبناء عمومتهم الأشراف الخواورة الحسينية الهاشمية من ذراري الشريف جعفر الخَــوَّارِي الحسيني الهاشمي ومعهم مَنْ كانَ تحتَ راية الدولة الأخيضرية من حلفائهم من قبائل العَربِ والأتباعِ ولَحِقُوا مع الأشراف القواسم الأخيضرية الحسنية الهاشمية في أحلاف العرب هناك.
وهكذا بوقوع الأشراف الأخيضرية بين فكي القحط ورحيل المُناصِر ومكائد أضدادهم النازلة من اليمن سقطَتْ دولتُهُم وتَفَرَّقُ الأشرافُ الأخيضريةُ وذراريهم شيوخاً وأمراء وقضاةَ عشائر بين العرب في النواحي والديار داخل وخارج جزيرة العرب ورَحَلُوا وعَقَدُوا الأحلافَ في العرب وصارَ لهم وقعاتٌ مع العرب.
والتاريخ المُحَقَّق لسقوط الدولة الأخيضرية هو عام ٤٥٠ هجرية في المصادر المخطوطة القديمة المتناقلة جيلاً عن جيل.
(أُعِدَّتْ مُلخصةً من المصادر المخطوطة القديمة وبالله التوفيق).
مصدر الصور:
صُوِّرَتْا في زيارة للخضرمة الأثرية عاصمة الدولة الأخيضرية وقد غطّتها الرمال.
١- الشيخ الأديب المؤرخ الشريف عبدالله بن سعد آل عضيدان الأخيضرية الحسنية الهاشمية تغمده الله في نعيم الفردوس آمين.
٢- جامع الخضرمة الأثري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق