الجمعة، 16 فبراير 2024

(الخِلْط) في كلام العرب وفي علم النسب عند النسابين الأصوليين.


هذه المُفردة التاريخية تَتَحَدَّثُ عن كلمة (الخِِلْْط) في لغة العرب واستعماله في علم النسب عند النسابين الأصوليين، وأَمَّا (الخِلْطُ) في كلام العرب - بكَسْرِ الخاء - فهو مُشتقٌ من الجذر: (خلط) والخِلْطُ هو كُلُّ ما خَالَطَ الشَيْءَ أي هو ما خالط غيرَه وامتزج به فهو مُخالِطٌ له وخَلِيْطٌ مع غيره، والجَمْعُ: أَخْلَاط، مثل قولهم: تَمْرٌ خِلْطٌ، أَي المُخْتَلِطُ من أَنْوَاعٍ شَتَّى، والخِلْطُ استعملتْهُ العربُ في كلامهم صفةً واسماً واستعملوه في وصف نَّسَب الشخص وقالوا: رَجُلٌ خِلْطٌ مِلْطٌ، بالكَسْرِ فِيهِمَا: مُخْتَلِطُ النَّسَبِ، مَوْصُومُ النَّسَبِ، وَلَدُ زِنَا، والمِلْطُ: الذِي لا يُعْرَفُ له نَسَبٌ و لا أَبٌ. 

وأَمَّا (خِلْط) واشتقاقات الفِعْلَيْن: (خَلَطَ واخْتَلَطَ) استعملهم النسابون الأصوليون عند حديثهم عن علم النسب وما أثبتوه من أنساب الأشراف الهاشمية والعرب وغير العرب وقالوا على سبيل المثال: 

-(وأثبتناه من حذر الخلط في الأنساب وهي أمانة في عنقك). 
-(من خوف الخلط في النسب والخلط في الأُسَر هذه الأمانة).

والنسابون الأصوليون أوصوا أولادهم وأحفادَهم بأمانة النسب وتناقُلِها جيلاً عن جيل وكانوا عندما يُثبِتُون الأسماء والسلاسل والذراري يشرحونها ويفرزونها ويُرْجِعُوْنَ كُلَّ شخص إلى نسبه الأصلي ويحذرون من الخلط في الأنساب في جرود أمانة النسب، وبَيَّنُوا التخليط في السلاسل وهي السلاسل المُخَلَّطة بالإضافات وتركيب الأسماء فيها وليسوا آباء أصليين لبعضهم في السلسلة ولذلك تجد فيها مثلاً اسم شخص من أصول هندية قديمة كان موجوداً في القرن التاسع الهجري يُورَدُ في السلسلة عند من ينتسبون إليه بعد شخص من أصول شرقية قديمة كان موجوداً في القرن العاشر الهجري وهكذا من سلاسل الخَلْط وهي كثيرة عند عوام الناس في البوادي والحواضر وبسبب تخليط العوام في السلاسل عند العد والتسلسل وُجِدَ علمُ النَّسَب للتمييز بين الأصلي الخالي من التركيب والإضافات وبين غير الأصلي المُصاب بآفة التخليط من التركيب والإضافات ولذلك كان النسابون الأصوليون في رحلاتهم لجمع الأنساب يُثْبِتُونَ في تراثهم ما تُوْرِدُهُ عوامُ الناس من عد وتسلسل َوسلاسل ولكنهم يتناولونها بعد ذلك بالشرح والتحقيق والتحذير من الخَلْط الوارد فيها وكانوا شديد التحرز في الأنساب خشية هذا الخَلْط وبذلوا جهداً كبيراً في تمييز الذراري مع مرور الأجيال وحتى عندما كانوا يجدون صعوبة في التمميز بسبب الخَلْط الشديد فإنهم بَيَّنُوا ذلك أداءً لأمانة النسب التي حَمِلُوها جيلاً عن جيل بالوصايا بالحفظ والتناقل ومنها مثلاً ذلك الرجل العربي الهلالي العامري الهوازني في بلدة الحوطة في إقليم الفُرَع ديار هوازن القديمة نواحي نجد وسط الجزيرة العربية كان معه ١٢ اثنا عشر تابعاً من أعراق مختلفة وهذا الهلالي الهوازني العربي أعقب ابناً واحداً أعقب كذلك ولكن ذريته اختلطت مع ذراري التوابع الإثني عشر وفي آخر إلحاق للأطراف بالأصول وَجَدَ آخر نسابة أصولي كان يرحل لجمع الأنساب صعوبةً في التمييز بين الذراري الهوازنية العربية وذراري التوابع فأثبتها حسب عدهم وتسلسلهم لأسمائهم لكنه شَرَحَ عليها وذَكَر أَنَّه وَجَدَ صعوبة في التمييز بين الذراري المختلطة وأنَّ نسبة الذراري الهوازنية العربية هي ١ واحد من ١٣ ثلاثة عشر. 
     
 ولا تكاد توجد قبيلة عربية وليس فيها أخلاط لأنَّ القبيلة العربية هي أحلاف مُرَكَّبَة مُتَدَاخِلَة وقسم منها ما يكون من أصل وصُلْب جد القبيلة (إذا كان جد القبيلة هو شخص) وهو القسم الأصلي ومنها قسم آخر هو ليس من أصل وصُلْب جَدِّ القبيلة بل هم مُرَكَّبِيْن في اسم ونسب وحلف القبيلة وهم إضافات وأخلاط القبيلة من ابن بنت القوم وحليف وتابع يخالطهم في الحلف والديار والجوار على سبيل المثال: 

-أخلاط عرب بني سعد بن زيد مناة بن تميم في نواحي يبرين شرق منطقة اليمامة وجنوب شرق الجزيرة العربية. 

وكذلك استعملتْ العربُ جمع الخِلْطأخلاط عند وصفهم مجموعة من أعراق وأصول مختلفة وليسوا من عرق وأصل واحد، على سبيل المثال ما ورد في معجم البلدان لياقوت الحموي عند وصفه من يسكنون المَجَازَة
  
-(وبها أخلاط من الناس من قريش وغيرهم سكنوها بعد قتلة مُسَيْلَمَة الكذاب)

والبعضُ يستعمل لفظة (خَلِيْط) وهي تؤدي نفس المعنى.

وأَمَّا بني المنتفق العامرية الهوازنية العربية فهم يُعْرَفُوْنَ بالخِلْطِ عند العرب ومنتفق هي صيغة لفظية وليست اسم شخص (جد) وهي مجموعة أخلاط من خفاجة وسُلَيْم والبربر وتوابع من أعراق مختلفة وأمَّا سبب تلقيبها بالخِلْط يعود إلى أَنَّ أغلبهم هم توابع، والخِلْط معناه هنا في كلام العرب أنَّهم ليسوا من أصل قبيلة هوازن، وهم كلهم يُعْرَفُوْنَ به وهم خِلْطٌ وخليط اسماً على مُسَمَّى ومنهم التابع الكردي محمد المَلَقَّب الأصيفر المنتفقي (ت نحو ٤١٠ أو ٤٣٨ هجرية) الذي حارب القرامطة في الأحساء والقطيف وقطع الطريق على حاج العراق وأخذ المكوس منهم ثِمَّ صار تابعاً للعباسية ببغداد وحارب العرب في شمال العراق، ومنهم كذلك التابع معروف بن محمد المنتفقي الموجود في القرن العاشر الهجري وله رحلة إلى بلاد اليمن نواحي جنوب غرب الجزيرة العربية، ومنهم كذلك التابع شبيب بن مهلب تابع الأشراف الأخيضرية الحسنية الهاشمية في بلدة الحوطة في إقليم الفُرَع ديار هوازن القديمة نواحي نجد وسط الجزيرة العربية والراحل مع أبيه مهلب وأمه أم شبيب الحَلَّابة إلى نواحي العراق وما حصل من مَقْتَل أبيه مهلب هناك نواحي العراق ولحوقه في تبعية ولاة الأتراك عَشَّاراً يجبي لهم المكوس من بوادي العرب بَعْدَ تبعيته للأشراف الأخيضرية الحسنية الهاشمية ثُمَّ آل الحسين الأصغر، وغيرهم من التوابع المختلِطَة مثل: سعدون وإبراهيم أحمر العينين

وهذا في سياق تاريخي بحت ونحمدُ اللهَ الذي أنعم على البشرية بتطور أفكارها وظهرتْ ثقافةُ حقوق الإنسان واحترام كرامة آدمية البشر تأكيداً للأصل البشري الواحد للجميع وصار العمل محل احترام وتقدير. 

(أُعِدَّتْ مُلخصةً من المصادر المخطوطة القديمة والكتب المطبوعة وبالله التوفيق).

مصدر الصور: