الأربعاء، 10 أغسطس 2022

الشيخ الأمير الشريف محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عند ابن حزم في كتابه (جمهرة أنساب العرب).


هذه المُفردة التاريخية تَتَحَدَّثُ عن ما أورده ابنُ حزم عن أحد ذراري الشيخ الأمير الشريف زيد بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب الهاشمية القرشية العربية في كتابه (جمهرة أنساب العرب، محمد بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (٣٨٤ - ٤٥٦ هجرية)، ط ٣، ١٤٢٤ هجرية، ٢٠٠٣ ميلادية، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الصفحة ٣٩) وهذا نص ما أَورده:

(أَمَّا إبراهيم بن الحسن بن زيد، فَوَلَدَ إبراهيم، وله عقب، ومحمد بن إبراهيم. فمن ولد محمد هذا: محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، قام بالمدينة، وكان من أفسق الناس، شرب الخمر علانيةً في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم- نهاراً، وفسق فيه بقينة لبعض أهل المدينة، وقَتَلَ أهلَ المدينة بالسيف والجوع، وكان قيامُه أيام المعتمد، وقتل أهل المدينة، ولَمْ يُصَلَّ بها طول مُدَّته فيها جُمُعَة ولا جَمَاعة.
) انتهى النص.


ويُمكنُ تحليلُ ومناقشة بعض ما أوردَهُ ابنُ حزم في هذا النص فيما يلي:

١-أَمَّا قول ابن حزم: "فمن ولد محمد هذا: محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب".

وأَمَّا هذا الثائر الشيخ الأمير الشريف محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب المطلبية الهاشمية القرشية العربية فهو شريف أصلي ومن عرق وصُلْب الأشراف الهاشمية الحسنية العلوية وسلسلته أصلية في المصادر المخطوطة القديمة المتناقلة تواتراً عند النسابين الأصوليين جيلاً بعد جيل وليس تركيب وإضافة.

٢-أَمَّا قول ابن حزم: "قام بالمدينة". 

الشريف محمد المذكور هو من ثائري الأشراف الحسنية العلوية الهاشمية في إقليم المدينة المنورة نواحي الحجاز غرب الجزيرة العربية وقام بالثورة على إجحاف الحُكَّام العباسية وإساءة معاملتهم للعرب والأشراف الهاشمية وإقصائهم وإفقارهم العرب وتَمَكَّنَ من أخذ المدينة المنورة في ثورته هذه في أَيَّام حكم العباسية لبغداد نواحي العراق، وهو من ثُوَّار القرن الثالث الهجري.
 
٣-أَمَّا قول ابن حزم: "وكان من أفسق الناس، شرب الخمر علانيةً في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم- نهاراً، وفسق فيه بقينة لبعض أهل المدينة".

أوَغَلَ ابن حزم في افترائه واتهاماته المزعومة لتشويه سيرة الشريف محمد بن الحسن وشيطنته وتقديمه نموذجاً للفسق لتنفير الناس عنه وعن ذراري الأشراف الهاشمية وحَدَّث العاقل بما لا يُمكن أنْ يُصَدِّقَهُ واصفاً إياه بأنَّهُ كان من أفسق البشر بل شيطاناً رجيماً قام بتحويل مسجد جَدِّه النبي صلى الله عليه وسلم بعد ثورته وأخذه المدينة المنورة إلى دار ومكان للفسق ومارس فيه فسوقه علانيةً جهاراً نهاراً أمام الملأ وشَرِبَ فيه الخمر وفسق فيه بحضرة قينَة في هذه الحفلة الفاسقة المعومة وكأَنَّ ابن حزم أراد أنْ يقولَ أنَّ الشريف محمداً احتفلَ فَرَحاً بأخذه المدينة المنورة بقيامه بهذه الحفلة الماجنة في المسجد النبوي !.

ولكن ابن حزم لم يُقَدَّم تفصيلاً زمنياً أكثر عن هذه الحفلة الحمراء المزعومة، وهل استمرت طيلة مدة أخذه المدينة المنورة أم يوماً واحداً أم بضعة أيام؟

وهل الفسق بالقينة قَصَدَ به مجرد أنْ تغني لهم في الحفلة؟
أم زنوا بها أيضاً؟

هذه المُبالغة من ابن حزم لشيطنة الشريف محمد بن الحسن وصلتْ إلى حد الإسفاف بالقول أَنَّ الشريف محمداً كان فاسقاً ثم ضاقت عليه أرجاء ودور المدينة المنورة فلم يجد إِلَّا مسجدَ جدِّه النبي صلى الله عليه وسلم ليختاره مكاناً لإقامة حفلته الماجنة !، وكل هذا تمهيداً من ابن حزم ليُلقي بلائمة عدم الصلاة جمعة ولاجماعة في المدينة المنورة على الشريف محمد وليَجْعَلَ هذا الفسق سبباً إضافياً بعدم إقامة الصلاة في أرجاء المدينة النبوية.

ولم يكُنْ ليقدم الشريفُ محمدٌ على هذا الفعل الفاضح والمجاهرة بالفسق العلني في مسجد جده نبي المسلمين وعند قبره وهو  مكان مقدس ومحرم ومن أقدس البقاع عند المسلمين بينما هو يسعى لنجاح ثورته وأخذ الحكم من العباسية ويسعى لاستمالة قلوب الناس وليس نفورها عنه ولكن تبعية ابن حزم للحكام والدولة والبغض جعله يوغل في افتراء الأكاذيب إرضاءً لمتبوعيه من الحكام والعرب الباغضة.

وهذا الإفتراء من ابن حزم لم أجد له ذكراً في سيرة الشريف محمد بن الحسن في المصادر المخطوطة القديمة المُتناقلة جيلاً بعد جيل ولو كان فعل هذه المعصية لأوردوها في سيرته وذَمَُوه عليها كعادتهم.

٤-أَمَّا قول ابن حزم: "وقَتَلَ أهلَ المدينة بالسيف والجوع".

أجمل ابنُ حزم كعادته في كلامه لتشويه سمعة الشريف محمد بن الحسن بذكر ما افتراه من مساويء مزعومة وأشار في كلامه إلى عبارة القتل بالسيف والجوع لم يُحَدِّدْ ابنُ حزم من الذين قتلهم الشريفُ محمد بالسيف والجوع من أهل المدينة المنورة.


أَمَّا من جانب قتله أهل المدينة المنورة بالسيف وهو في حالة حرب مع المحاربين منهم في أيام ثورته وهناك أسئلة يلزمُ طرحها لنحاول فهم الوضع بصورة أكبر تفصيلاً ووضوحاً ومنها:

-هل قتل أهل المدينة جميعهم بما فيهم النساء والأطفال والشيوخ والضعفاء؟ 

 -أم قتل بعضَهم؟

 -أم قتل المحاربين له في أثناء الواقعة؟

 -أم قتل الأسرى بعد أخذه المدينة المنورة وانتهاء الواقعة؟

 

ونحن نعلم أَنَّ خلافَه كان مع العباسية وولاتهم ومن يؤيد العباسية ويرفع السيف في وجوه الأشراف الهاشمية وهو كان في حالة حرب مع العباسية وولاتهم وتوابعهم ممَّن حمل السلاح وحاربهم بعد ثورته في الحجاز لأخذ المدينة المنورة وليس في حالة حرب مع أهل المدينة من المحايدين والمُسالمين وإنَّما مع المبغضين لهم من أهلها وتحديداً ممَّن رفع السلاح منهم وواقعهم وأَمَّا من دخل داره واعتزل الحرب والخلاف فهو آمن ولم يكون ليتعرَّض له.  

وكذلك هناك أسئلة يُمكنْ طرحها من جانب القتل بالجوع، لم يُقَدِّم ابنُ حزم تفصيلاً أكثر عن ذلك، وهل قصد بذلك حالة الحصار لأخذ المدينة المنورة وامتناع القوافل التجارية عن القدوم إلى المدينة المنورة بسبب حالة الحرب أثناء الواقعة وخوف التجار على أموالهم وارتفاع الأسعار في الأسواق واستغلال تجار الحروب والأزمات لهذه الحالة برفع الأسعار؟


أم مَنَعَ القوافل التجارية من دخول المدينة المنورة بالمؤن للضغط على المحاربين ليسلموا المدينة المنورة؟


أم قصد بذلك قتل الأسرى بعد انتهاء الواقعة بتجويعهم ومنع الأكل عنهم حتى الموت؟


والظاهر أنَّ ابنَ حزم قصدَ بذلك منع المؤن عن المحاربين ليُسَلِّمُوا له أثناء الواقعة وسمَّاهم ابن حزم بأهل المدينة وكان أكثر أهلها من عُمَّال وتوابع العباسية الباغضة للأشراف الهاشمية ولذلك وصَفَهُمَ الأميرُ الشريف محمدُ بن القاسم الرسِّي الرسية الحسنية الهاشمية - وهو معاصر لتك الفترة والثورات في القرن الثالث الهجري- بقوله: "ولا أَعْلَمُ في أهل المُدُن كلهم أَشد لكُم بُغضاً ومَقْتاً وعداوةً من أهلِ قصبة مكة والمدينة"، انظر (مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي (٢٧٩-١٩٨ هجرية)، تأليف/ الإمام محمد بن القاسم بن إبراهيم الرسي عليه السلام، تحقيق/ عبدالكريم أحمد جدبان، ط ١، ١٤٢٣ هجرية، ٢٠٠٢ ميلادية، مكتبة التراث الإسلامي، صعدة، الجمهورية اليمنية، كتاب الهجرة والوصية، ص ٣٩١-٣٩٣)، وأمَّا الحرب والقتل والتجويع بحد ذاتها مذمومة وغير محمودة ولم أجد في المصادر المخطوطة القديمة المتناقلة جيل بعد جيل لخبر قتل وحصار الشريف محمد بن الحسن في ثورته لغير المحاربين من أتباع وعسكر وعُمَّال وولاة العباسية الذين رفعوا السيف في وجهه أثناء واقعة ثورته.

 

٥-أَمَّا قول ابن حزم: "وكان قيامه أيام المعتمد".

قام الشريفُ محمد بالثورة في فترة حُكْم المُعتمد بالله العباسي واسمه الأصلي هو أحمد ولقبه المعتمد بالله/ على الله وهو أحمد المعتمد بالله بن جعفر المتوكل على الله بن محمد المعتصم بالله العباسي والمولود في سنة ٢٢٩ هجرية وأَخَذَ الحُكْمَ في سنة ٢٥٦ هجرية وكانت مدة حُكمه ٢٣ سنة وتوفي سنة ٢٧٩ هجرية وأخذ الحُكْمَ بَعْدَهُ المعتضد بالله العباسي.

٦-أَمَّا قول ابن حزم: "وقَتَلَ أهلَ المدينة".

           
كرر ابنُ حزم كلامه هنا بقصد شيطنة الشريف محمد وتحميله مسئولية عدم إقامة الصلاة جُمُعَة أو جَمَاعةَ في المدينة المنورة كما سيأتي معنا.

وأمَّا الشريف محمد بن الحسن ومن معه من رجال الثورة من العرب والتوابع لم يكونوا يتعمَّدونَ إيذاء الأبرياء أو يتعرَّضُون للمسالمين والمحايدين وحتى المُبغضين والمعادين الذين لم يحملوا سلاحاً في وجوهم ولم يقاتلوهم واعتزلوا الحرب كما أشرتُ إلى ذلك سابقاً.

٧-أَمَّا قول ابن حزم: "ولَمْ يُصَلَّ بها طول مُدَّته فيها جُمُعَة ولا جَمَاعة".

لم يُحَدِّدْ ابنُ حزم مُدة التعطيل المزعومة لإقامة الصلاة ما إذا كانتْ المدة أثناء الواقعة أو المدة بعد انتهاء الواقعة وأَخْذ المدينة أم طوال هاتين المدتين، ويُفِهَمُ من زَعْمَهِ هذا تعطيل إقامة الصلاة في جميع مساجد المدينة المنورة بما فيها المسجد النبوي وأَمَّا الشريف محمد بن الحسن فلم يمنع أحداً من الصلاة لا جمعة ولا جماعة أثناء الواقعة ولا بعد أخذه للمدينة المنورة إثر انتهاء الواقعة وأَمَّا بعد أخذه للمدينة المنورة فكان هو وأنصاره من العرب الثائرين والتوابع يصلُّون في المسجد النبوي الجُمعة والجَماعة وصارت تُقَامُ الصلاةُ خلفه وصار الدعاء له في خطبة الجُمُعة ولم يُجبر أحداً ليصلي خلفه من أهل المدينة المنورة وأَمَّا عدم رغبة توابع العباسية الباغضين للأشراف العلوية الهاشمية من الصلاة خلفه فهو أمر أرادوه بسبب البُغض إرضاءً لمتبوعيهم العباسية لأنَّ صلاتهم خلفه وخلف من ينوب عنه يُعَدُّ رضىً وإقراراً منهم بثورته وإمامته وهم يخشون متبوعيهم العباسية.


وابن حزم افترى على الشريف محمد أكاذيبَ المجاهرة بالفسق داخل المسجد النبوي وتعطيل الصلاة فيه وفي المساجد الأخرى بقصد أنْ يُسْقِطَ عليه معنى الآية الكريمة: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) -البقرة ١١٤- وابن حزم ومن صنع صنيعه من الباغضين للأشراف الهاشمية فإنهم كذبوا كثيراً على الأشراف الهاشمية بُغضاً أو بأمر من أَمَرَهُم من الحكامُ والأضدادُ من العرب بقصد تنفير الناس عنهم.


وأَمَّا ابن حزم خادم سلاطين وصنيعة دولة وتابع فارسي للأموية أيام الأندلس في وقته.

وهذا في سياق تاريخي بحت ونحمدُ اللهَ الذي أنعم على البشرية بتطور أفكارها وظهرتْ ثقافةُ حقوق الإنسان واحترام كرامة وآدمية البشر تأكيداً للأصل البشري الواحد.

 

(أُعِدَّتْ مُلَخَّصَةً من المصادر المخطوطة القديمة وبالله التوفيق).

مصدر الصورة:

كتاب (جمهرة أنساب العرب، محمد بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (٣٨٤ - ٤٥٦ هجرية)، ط ٣، ١٤٢٤ هجرية، ٢٠٠٣ ميلادية، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الصفحة ٣٩).







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق