أجمل ابنُ حزم كعادته في كلامه لتشويه سمعة الشريف محمد بن الحسن بذكر ما افتراه من مساويء مزعومة وأشار في كلامه إلى عبارة القتل بالسيف والجوع لم يُحَدِّدْ ابنُ حزم من الذين قتلهم الشريفُ محمد بالسيف والجوع من أهل المدينة المنورة.
أَمَّا من جانب قتله أهل المدينة المنورة بالسيف وهو في حالة حرب مع المحاربين منهم في أيام ثورته وهناك أسئلة يلزمُ طرحها لنحاول فهم الوضع بصورة أكبر تفصيلاً ووضوحاً ومنها:
-هل قتل أهل المدينة جميعهم بما فيهم النساء والأطفال والشيوخ والضعفاء؟
ونحن نعلم أَنَّ خلافَه كان مع العباسية وولاتهم ومن يؤيد العباسية ويرفع السيف في وجوه الأشراف الهاشمية وهو كان في حالة حرب مع العباسية وولاتهم وتوابعهم ممَّن حمل السلاح وحاربهم بعد ثورته في الحجاز لأخذ المدينة المنورة وليس في حالة حرب مع أهل المدينة من المحايدين والمُسالمين وإنَّما مع المبغضين لهم من أهلها وتحديداً ممَّن رفع السلاح منهم وواقعهم وأَمَّا من دخل داره واعتزل الحرب والخلاف فهو آمن ولم يكون ليتعرَّض له.
وكذلك هناك أسئلة يُمكنْ طرحها من جانب القتل بالجوع، لم يُقَدِّم ابنُ حزم تفصيلاً أكثر عن ذلك، وهل قصد بذلك حالة الحصار لأخذ المدينة المنورة وامتناع القوافل التجارية عن القدوم إلى المدينة المنورة بسبب حالة الحرب أثناء الواقعة وخوف التجار على أموالهم وارتفاع الأسعار في الأسواق واستغلال تجار الحروب والأزمات لهذه الحالة برفع الأسعار؟
أم مَنَعَ القوافل التجارية من دخول المدينة المنورة بالمؤن للضغط على المحاربين ليسلموا المدينة المنورة؟
أم قصد بذلك قتل الأسرى بعد انتهاء الواقعة بتجويعهم ومنع الأكل عنهم حتى الموت؟
والظاهر أنَّ ابنَ حزم قصدَ بذلك منع المؤن عن المحاربين ليُسَلِّمُوا له أثناء الواقعة وسمَّاهم ابن حزم بأهل المدينة وكان أكثر أهلها من عُمَّال وتوابع العباسية الباغضة للأشراف الهاشمية ولذلك وصَفَهُمَ الأميرُ الشريف محمدُ بن القاسم الرسِّي الرسية الحسنية الهاشمية - وهو معاصر لتك الفترة والثورات في القرن الثالث الهجري- بقوله: "ولا أَعْلَمُ في أهل المُدُن كلهم أَشد لكُم بُغضاً ومَقْتاً وعداوةً من أهلِ قصبة مكة والمدينة"، انظر (مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي (٢٧٩-١٩٨ هجرية)، تأليف/ الإمام محمد بن القاسم بن إبراهيم الرسي عليه السلام، تحقيق/ عبدالكريم أحمد جدبان، ط ١، ١٤٢٣ هجرية، ٢٠٠٢ ميلادية، مكتبة التراث الإسلامي، صعدة، الجمهورية اليمنية، كتاب الهجرة والوصية، ص ٣٩١-٣٩٣)، وأمَّا الحرب والقتل والتجويع بحد ذاتها مذمومة وغير محمودة ولم أجد في المصادر المخطوطة القديمة المتناقلة جيل بعد جيل لخبر قتل وحصار الشريف محمد بن الحسن في ثورته لغير المحاربين من أتباع وعسكر وعُمَّال وولاة العباسية الذين رفعوا السيف في وجهه أثناء واقعة ثورته.
٥-أَمَّا قول ابن حزم: "وكان قيامه أيام المعتمد".
قام الشريفُ محمد بالثورة في فترة حُكْم المُعتمد بالله العباسي واسمه الأصلي هو أحمد ولقبه المعتمد بالله/ على الله وهو أحمد المعتمد بالله بن جعفر المتوكل على الله بن محمد المعتصم بالله العباسي والمولود في سنة ٢٢٩ هجرية وأَخَذَ الحُكْمَ في سنة ٢٥٦ هجرية وكانت مدة حُكمه ٢٣ سنة وتوفي سنة ٢٧٩ هجرية وأخذ الحُكْمَ بَعْدَهُ المعتضد بالله العباسي.
٦-أَمَّا قول ابن حزم: "وقَتَلَ أهلَ المدينة".
لم يُحَدِّدْ ابنُ حزم مُدة التعطيل المزعومة لإقامة الصلاة ما
إذا كانتْ المدة أثناء الواقعة أو المدة بعد انتهاء الواقعة وأَخْذ المدينة أم طوال هاتين المدتين، ويُفِهَمُ من زَعْمَهِ هذا تعطيل إقامة
الصلاة في جميع مساجد المدينة المنورة بما فيها المسجد النبوي وأَمَّا الشريف محمد
بن الحسن فلم يمنع أحداً من الصلاة لا جمعة ولا جماعة أثناء الواقعة ولا بعد أخذه
للمدينة المنورة إثر انتهاء الواقعة وأَمَّا بعد أخذه للمدينة المنورة فكان هو
وأنصاره من العرب الثائرين والتوابع يصلُّون في المسجد النبوي الجُمعة والجَماعة وصارت
تُقَامُ الصلاةُ خلفه وصار الدعاء له في خطبة الجُمُعة ولم يُجبر أحداً ليصلي خلفه
من أهل المدينة المنورة وأَمَّا عدم رغبة توابع العباسية الباغضين للأشراف العلوية
الهاشمية من الصلاة خلفه فهو أمر أرادوه بسبب البُغض إرضاءً لمتبوعيهم العباسية
لأنَّ صلاتهم خلفه وخلف من ينوب عنه يُعَدُّ رضىً وإقراراً منهم بثورته وإمامته وهم
يخشون متبوعيهم العباسية.
وابن حزم افترى على الشريف محمد أكاذيبَ المجاهرة بالفسق داخل المسجد النبوي وتعطيل الصلاة فيه وفي المساجد الأخرى بقصد أنْ يُسْقِطَ عليه معنى الآية الكريمة: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) -البقرة ١١٤- وابن حزم ومن صنع صنيعه من الباغضين للأشراف الهاشمية فإنهم كذبوا كثيراً على الأشراف الهاشمية بُغضاً أو بأمر من أَمَرَهُم من الحكامُ والأضدادُ من العرب بقصد تنفير الناس عنهم.
وهذا في سياق تاريخي بحت ونحمدُ اللهَ الذي أنعم على البشرية بتطور
أفكارها وظهرتْ ثقافةُ حقوق الإنسان واحترام كرامة وآدمية البشر تأكيداً للأصل
البشري الواحد.
(أُعِدَّتْ مُلَخَّصَةً من المصادر المخطوطة القديمة وبالله
التوفيق).
مصدر الصورة:
كتاب (جمهرة أنساب العرب، محمد بن أحمد بن سعيد
بن حزم الأندلسي (٣٨٤ - ٤٥٦ هجرية)، ط ٣، ١٤٢٤ هجرية، ٢٠٠٣ ميلادية، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الصفحة ٣٩).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق