الجمعة، 5 أغسطس 2022

الأخوان الشريفان محمد المليط وعلي الخواري الخواورة الحسينية الهاشمية عند ابن حزم في كتابه (جمهرة أنساب العرب).


هذه المُفردة التاريخية تَتَحَدَّثُ عن ما أورده ابنُ حزم عن ذراري الشيخ الأمير الشريف جعفر الخَوَّاري بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب الهاشمية القرشية العربية في كتابه (جمهرة أنساب العرب، محمد بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (٣٨٤ - ٤٥٦ هجرية)، ط ٣، ١٤٢٤ هجرية، ٢٠٠٣ ميلادية، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الصفحة ٦٥) وهذا نص ما أَورده:

(وَلَدُ بقية أبناء موسى بن جعفر.

وهؤلاء ولدُ جعفر بن موسى بن جعفر.

ولدُ جعفر بن موسى بن جعفر: محمد، ومحمد، وموسى، وهارون، والحسين.

فولدُ الحسين هذامحمد وعليٌّ ابنا الحسين، وهما اللذان قاما في سنة ٢٧١ بالمدينة، فقتلا أهلها، وأخذا أموالهم، وأخربا المدينة حتى بَقِيَتْ لا تُصَلَّى في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهراً كاملاً، لا جُمعة ولا جَماعة أصلاً.

وقَتلَ محمدُ بن الحسين حين قيامه ثلاثة عشر رجلاً من ولد جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- صبراً، وهو المُلَقَّب بالمليط.

انتهى النص.

ويُمكنُ تحليلُ ومناقشة بعض ما أوردَهُ ابنُ حزم في هذا النص فيما يلي:

١-أَمَّا قول ابن حزم: "فولدُ الحسين هذا: محمد وعليٌّ ابنا الحسين". 

فأمَّا الحسين فإنَّ اسمه الأصلي هو الحسن وكان له تسمية ثانية بالحسين وهو أول من سُمِّي بالحَسَنَيْن ويُعرفُ بالحسن والحسين وهو الحسن الثائر ضد الحُكَّام لأخذ حق الحسن والحسين معاً ولهذا سُمِّيَ بالحَسَنَيْن وعُرِفَ بالحسن الثائر. 

وأَمَّا ابن حزم هنا سمَّاه حسيناً قَصَدَ التقليلَ من شأنه. 

وأمَّا محمد بن الحسن الثائر فلقبه (مليط) مأخوذٌ من اسم الوادي (ملط) والشيخ الأمير الشريف محمد لُقِّبَ مليطاً باسم هذا الوادي بعد سكناه فيه خوف ملاحقة الأضداد من الحُكَّام والعرب وملط من أودية إقليم المدينة المنورة نواحي الحجاز غرب الجزيرة العربية.
    
وأَمَّا أخوه علي بن الحسن الثائر وجدهما الشيخ الأمير الشريف جعفر الخَوَّارِي بن الإمام موسى الكاظم فلقبهما الخواري مأخوذٌ كذلك من اسم الوادي (خَوَّار) بعد سكناهما فيه بالبادية خوف الملاحقة.
 
وبذلك فلقب مليط ولقب خواري مأخوذان من اسمي مكانين وهما واديَيْنِ من أودية الحجاز.

٢-أَمَّا قول ابن حزم عن الأخوين الشيخين الأميرين الشريفين محمد المليط وعلي الخَوَّارِي: "وهما اللذان قاما في سنة ٢٧١ بالمدينة". 

أمَّا الأخوان الشريفان محمد مليط وعلي الخَوَّاري فثارا كأبيهما الشيخ الأمير الشريف الحسن الثائر في إقليم المدينة المنورة نواحي الحجاز غرب الجزيرة العربية ضد العباسية بعد عقود من قسوة وإساء معاملة حُكَّام وولاة العباسية للأشراف الهاشمية والعرب وإقصائهم وإفقارهم للعرب وسيطرة توابع العباسية من الترك وغيرهم على حُكْم العباسية ببغداد نواحي العراق وإرسالهم الجيوش الجرارة بقيادة التوابع الترك وغيرهم لسحق ثورات العرب والأشراف الهاشمية على ظلمهم وإجحافهم.

والشريفان محمد المليط وعلي الخواري هما من ثوار القرن الثالث الهجري.

٣-أَمَّا قول ابن حزم: "فقتلا أهلها".

قَصَدَ أهل المدينة المنورة، وهنا يبدأ ابنُ حزم الإجمال في كلامه لتشويه سمعة وشيطنة سيرة الشريفين محمد المليط وأخيه علي الخواري بذكر ما افتراه من مساويء وترك ذكر المحاسن.
 
والسؤال هنا هل قتلا أهل المدينة جميعهم بما فيهم النساء والأطفال والشيوخ والضعفاء؟ 

أم قتلا بعضهم ؟

أم قتلا المحاربين لهم في أثناء الواقعة ؟

أم قتلا الأسرى بعد أخذهما المدينة المنورة وانتهاء الواقعة؟

ونحن نعلم أَنَّ خلافَهما كان مع العباسية وولاتهم ومن يؤيد العباسية ويرفع السيف في وجوه الأشراف الهاشمية وهما كانا في حالة حرب مع العباسية وولاتهم وتوابعهم ممَّن حمل السلاح وحاربهم بعد ثورتهما في الحجاز لأخذ المدينة المنورة وليسا في حالة حرب مع أهل المدينة من المحايدين والمُسالمين وإنَّما مع المبغضين لهم من أهلها وتحديداً ممَّن رفع السلاح منهم وواقعهم وأَمَّا من دخل داره واعتزل الحرب والخلاف فهو آمن ولم يكونا ليتعرَّضا له.

وأَمَّا ذراري الأشراف العلوية حسنية وحسينية دخلتْ بوادي الحجاز وتركتْ المدينتان مكةَ المكرمة والمدينة المنورة وتركوا ورائهم فيها عديداً من مواليهم وأصبح سكان مكة والمدينة أكثرها من موالي وعُمَّال العباسية الباغضة للأشراف العلوية الهاشمية ولذلك وصَفَهُمَا الأميرُ الشريف محمدُ بن القاسم الرسِّي الرسية الحسنية الهاشمية - وهو معاصر لتك الفترة والثورات في القرن الثالث الهجري- بقوله: "ولا أَعْلَمُ في أهل المُدُن كلهم أَشد لكُم بُغضاً ومَقْتاً وعداوةً من أهلِ قصبة مكة والمدينة"، انظر (مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي (٢٧٩-١٩٨ هجرية)، تأليف/ الإمام محمد بن القاسم بن إبراهيم الرسي عليه السلام، تحقيق/ عبدالكريم أحمد جدبان، ط ١، ١٤٢٣ هجرية، ٢٠٠٢ ميلادية، مكتبة التراث الإسلامي، صعدة، الجمهورية اليمنية، كتاب الهجرة والوصية، ص ٣٩١-٣٩٣)، ولذلك فكلام ابن حزم هو إجمال مُتَعَمَّد بقصد تشويه سيرة الشريفين محمد المليط وعلي الخواري وهولاء المقتولون هم قتلى واقعة وهم المبغضون للأشراف العلوية ولم يكونوا على الحياد وقاتلوا الأشراف الهاشمية بالسلاح في هذه الواقعة.

٤-أَمَّا قول ابن حزم: "وأَخَذَا أموالَهم".

واصل ابنُ حزم الإجمال في كلامه لتشويه سمعة الشريفين محمد المليط وعلى الخواري ولم يُبَيِّنْ مَنْ هُم الذين أُخِذَتْ أموالهم وما هي هذه الأموال على وجد التحديد.

وهل هي أموال أياً كان من أهل المدينة المنورة؟

أم أموال الأغنياء؟

أم أموال توابع وولاة العباسية ؟

أم أموال بيت مال المدينة المنورة؟

وأَمَّا الشريفان محمد المليط وعلي الخواري لم يكونا ولم يتعرَّضا لأموال من اعتزل حربهما ولم يقاتلهما وإِنَّما أخذا أموال خزينة العباسية بالمدينة المنورة وأموال ولاتهم وعُمَّالهم وتوابعهم الباغضة المُحاربة وأموال من قاتل إلى جانبهم مِمَّن سل السلاح في جوههما وتلك الأموال أخذا وفرَّقاها على أنصارهما الثائرين معهما من العرب والتوابع لتكونَ لمؤنتهم ومعايشهم.

ومعلومٌ أَنَّ الحُكَّام والسلاطين -ومنهم العباسية- عند أخذهم الحُكْمَ والسُّلطانَ يُصادرون ويأخذون أموال من كانوا قَبْلَهُم ومنهم من كان يستولي على أموال أوقاف الأشراف العلوية الحسنية.

٥-أَمَّا قول ابن حزم: "وأَخربا المدينة حتى بَقِيَتْ لا تُصَلَّى في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شهراً كاملاً، لا جُمْعَة ولا جَماعة أصلاً".

وتابعَ ابنُ حزم كلامه لتشوية سيرة الشريفين محمد المليط وعلي الخواري وزَعَمَ عدم قيام الصلاة بالمسجد النبوي لا جُمعة ولا جماعة مدة حَدَّدَها بشهر هجري كامل بسبب خراب المدينة ولم يُفَصِّلْ هذا الخراب المزعوم واكتفى بالإجمال.

فما يكون هذا الخراب المزعوم؟

هل حدثَ هدم وإحراق دور المدينة جميعها أثناء الواقعة؟ أم خربَتْ بعض الدور؟

أم هما أحرقا وهدما دور ولاة وعُمَّال وتوابع العباسية المحاربين لهما بعد الواقعة؟
  
أم تم قطع النخل وإتلاف الزرع؟

أم خَرِبَ بناء المسجد النبوي أثناء الواقعة؟

وأَمَّا الشريفان محمد المليط وعلي الخواري فلم يمنعا أحداً من الصلاة لا جمعة ولا جماعة أثناء الواقعة ولا بعد أخذهما للمدينة المنورة إثر انتهاء الواقعة وأَمَّا بعد أخذهما للمدينة المنورة فكانا ومن معهم من رجال الثورة وأنصارهما من العرب والتوابع يصلُّون في المسجد النبوي الجُمعة والجَماعة ولم يَعُدْ يُخطَبُ فيه للعباسية وصار الدعاء في الخطبة لهما ولم يُجبرا أحداً من أهل المدينة المنورة على حضور الصلاة خلفهما وأَمَّا عدم رغبة توابع العباسية الباغضين للأشراف العلوية الهاشمية من الصلاة خلفهما فهو أمر اختياري أرادوه بسبب البُغض إرضاءً لمتبوعيهم العباسية لأنَّ صلاتهم خلفهما وخلف من ينوب عنهما يُعَدُّ رضىً وإقرار بإمامتهما وهم يخشون متبوعيهم العباسية.
    
٦-أَمَّا قول ابن حزم: "وقَتلَ محمدُ بن الحسين حين قيامه ثلاثة عشر رجلاً من ولد جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- صبراً".

وهنا يختم ابنُ حزم افتراءاته باتهام الشريف محمد المليط بقتله ١٣ رجلاً زعم أنهم من ولد جعفر بن أبي طالب وهذا خلط بين الذراري الأصلية لبني جعفر بن أبي طالب وبين غيرهم وعند الرجوع إلى موضع إيراده لذراري جعفر بن أبي طالب في كتابه لم يُحَدِّدْ من بينهم هؤلاء المقتولين الثلاثة عشر أو أحداً منهم وأَمَّا المصادر المخطوطة القديمة المتناقلة جيلاً بعد جيل مذكور فيها أَنَّ هؤلاء المقتولين هم مجموعة من بني جعفر بن كلاب الهوازنية العربية وكانوا مؤيدين للعباسية ومن عُمَّالِهم وتوابعهم نواحي إقليم المدينة المنورة نواحي الحجاز غرب الجزيرة العربية وقاتلوا الأشراف العلوية الحسنية الهاشمية في الواقعات وقتلهم الشريفُ محمد المليط ثأراً لمن قتلوه من أنصاره من العرب والتوابع وأَمَّا إضافتهم إلى نسب جعفر بني أبي طالب هو إضافة حلف وتركيب وإدعاء قديم من أيام الحجاز بعد دخول بني جعفر بني أبي طالب لبوادي العرب واختلاطهم بذراري جعفر هوازن وتشابه النسبة إلى جعفر بن أبي طالب وجعفر الهوزاني وإنما نسب العرق والصُّلْب الأصلي لهؤلاء المقتولين هو في جعفر الهوازني وذراري جعفر الهوازني وحلفائهم من العرب والتوابع كثيرة جداً جداً في بوادي العرب ومنهم جعافرة صعيد مصر عامة من بني كلاب الهوازنية ومن معهم من توابعهم من الفلاحين والبرابر وغيرهم.            

وأَمَّا البقية الباقية من الذراري الأصلية لجعفر بن أبي طالب هم مع القراريش ببلاد السودان وبوادي دوسر نواحي نجد وسط الجزيرة العربية ولا يوجد غيرهم سوى التراكيب المُرَكَّبَة في نسب آل جعفر الطيار بن أبي طالب في أحلاف بوادي العرب وغيرها داخل وخارج جزيرة العرب.

٧-أَمَّا قول ابن حزم: "وهو المُلَقَّب بالمليط".

قَصَدَ بهذا اللقب المليط: الشريفَ محمدَ بن الحسن الثائر المذكور، وقد بيَّنْتُ معنى وسببَ هذا اللقب، وهو اسم وادٍ، وهذا اللقب توارثته ذراريه في سلاسلهم الشريفة، وهذه الذراري الشريفة تفرَّقَتْ شيوخاً وأمراء وقضاة عشائر في قبائل العرب داخل وخارج جزيرة العرب، ومنهم في قحطان نواحي جنوب غرب الجزيرة العربية، ومنهم في العجمان، ومنهم في نواحي حضرموت أقصى جنوب الجزيرة العربية، ومنهم في بلدة الحوطة في إقليم الفُرَع ديار هوازن القديمة نواحي نجد وسط الجزيرة العربية في ديارهم الموقوفة على الذرية ورحل آخرهم إلى البصرة نواحي العراق عن ديارهم بعد واقعة الغدر والتمرُّد وحاز تابعهم البربري الخائن المتمرد ديارَهم وادَّعى نسبَهُم في سنوات قيام التوابع المتمردة على متبوعيهم الأشراف الأخيضرية في نواحي نجد وسط الجزيرة العربية في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري.

وأَمَّا بَعْدَ ثورة الأخوين الشريفين محمد المُلَيْط وأخيه علي الخَـــوَّاري بالمدينة المنورة نواحي الحجاز واشتداد وطئة العباسيين عليهما خرجا وذررايهما مرة أخرى إلى البادية وصاروا يعترضون الحجاج ويطلبون من أغنيائهم نصيباً مما حملوه من أموال ليفرِّقوها على أهالي مكة المكرمة وهُم أرادوا قسماً من هذه الأموال ليفرِّقوها على أنصارهم من حلفائهم من العرب وتوابعهم ورجال الثورة ولكن جدَّهم الشيخ الأمير جعفر الخواري نهاهم عن هذا الفعل الذي يأنفُ منه الأشراف الهاشمية فرحلوا من نواحي الحجاز إلى نواحي نجد وسط الجزيرة العربية مُسَاندين لأبناء عمومتهم الأشراف الأخيضرية الحسنية الهاشمية أيَّام الدولة الأخيضرية (٢٥٠ – ٤٥٠ هجرية) وصارتْ لهم رحلات ما بين نواحي الحجاز ونواحي نجد، وبعد سقوط الدولة الأخيضرية في عام ٤٥٠ هجرية تفَرَّقَتْ ذراريهم وذراري الأشراف الأخيضرية الحسنية الهاشمية شيوخاً وأُمراءَ وقضاةَ عشائر في البوادي بين قبائل العرب داخل وخارج جزيرة العرب.

وأمَّا الشريفان محمد المليط وأخاه علي الخواري فليسا بملائكة ولا شياطين وما فعلا من خير سيُحمدان عليه وما فعلا من سوء سيُذمان عليه وأَمَّا ابن حزم ومن هم على شاكلته من الباغضين للأشراف الهاشمية ومن أَمَرَهم من الحكامُ والأضدادُ من العرب بالكذب فإنهم كذبوا كثيراً على الأشراف الهاشمية في كتبهم بقصد تنفير الناس عنهم وسأقف في مُفردة أخرى فيما بعد بإذن الله عند فرية أخرى افتراها ابنُ حزم في كتابه هذا.

وأَمَّا ابن حزم خادم سلاطين وصنيعة دولة وتابع فارسي للأموية أيام الأندلس في وقته.

وهذا في سياق تاريخي بحت ونحمدُ اللهَ الذي أنعم على البشرية بتطور أفكارها وظهرتْ ثقافةُ حقوق الإنسان واحترام كرامة وآدمية البشر تأكيداً للأصل البشري الواحد.

(أُعِدَّتْ مُلَخَّصَةً من المصادر المخطوطة القديمة وبالله التوفيق).
مصدر الصور:
كتاب (جمهرة أنساب العرب، محمد بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (٣٨٤ - ٤٥٦ هجرية)، ط ٣، ١٤٢٤ هجرية، ٢٠٠٣ ميلادية، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الصفحة ٦٥ و ٦٨ و ٦٩).









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق