السبت، 25 مارس 2023

عادة ملاحقة الزوبعة عند أهل الشرق قديماً.


هذه المُفردة التاريخية تَتَحَدَّثُ عن عادة ملاحقة الزوبعة قديماً عند أهل الشرق من فرس وهند وغيرهم والزوبعة هي إعصار من ريح تلتف وتدور وترفع معها التراب والرمال وأوراق الشجر الجافة إلى السماء كأنها عمود منتصب يسري من مكان إلى آخر وتظهر الزوبعة في أوقات الحر في النهار وبعض أهل الشرق كانوا يلاحقونها اعتقاداً منهم أن فيها رجلاً من الجن يجر جدياً بيد ويحمل بيده الأخرى كتاباً ولذلك كان بعضُهم يدخُلُ فيها حاملاً بيده اليمنى قطعة من فخار مثقوبة في وسطها ويحاول أن يبول من خلال الثقب وهو داخل الزوبعة وهي تتحرك ويتحرك معها وإذا نجح في فعل ذلك وهو داخلها ولم يخرج منها أثناء سيرها يسلمه الرجلُ الكتابَ المزعوم ويستلمه منه بيده اليسرى وبعد استلامه الكتاب يستطيع به السيطرة على العالم وهي عادة خرافية قديمة عند أهل الشرق. 

والزوبعة في كلام العرب عند الفيروز آبادي في المعجم القاموس المحيط كالتالي: 
(الزَّوْبَعَةُ: اسمُ شَيْطانٍ، أو رَئيسٌ للجِنِّ، ومنه سُمِّيَ الإِعْصارُ: زَوْبَعَةً، وأُمَّ زَوْبَعَةَ وأبا زَوْبَعَةَ، يُقَالُ: فيه شَيطانٌ مارِدٌ.). 

وقبل سنوات وجدتُ قطعة صغيرة عادية من الفخار مستديرة ومسطحة فوق الرمال خارج السياج أثناء زيارتي للخضرمة عاصمة الدولة الأخيضرية باليمامة (٢٥٢-٤٥٠ هجرية) في إقليم الخرج نواحي نجد وسط الجزيرة العربية ولفت انتباهي وجود ثقب في وسطها وتبادر إلى ذهني حينها أنها ربما تكون استُعملت  كثقل للنول عند الحياكة ولكنها صغيرة وخفيفة الوزن لتكون كذلك وبعد معرفتي عن هذه العادة الشرقية القديمة وعن بعض من مارسها منهم بين العرب فأظنها استُعملت في هذه العادة الشرقية، والله أعلم. 

وذات مرة وأنا مازلت في سنوات الدراسة الإبتدائية في مسقط رأسي في بلدة الحوطة في إقليم الفُرَع ديار هوازن القديمة نواحي نجد وسط الجزيرة العربية وكنت أتجول وألعب مع أحد أبناء الجيران جنوب الحي حيث نسكن وكانت الأراضي بيضاء لا زرع فيها ولا بناء ومغطاة بالرمال وكانت من أحسن أماكن اللعب وفجأة تشكلت زوبعة رفعت معها الرمال وما في طريقها من ورق وأكياس بلاستيكية وتفاجأتُ بفرح ابن الجيران بها والذي أخذ يصرخ مردداً: (عِْرْسِ السِّكِن! عرس السكن! ) ثُمَّ صار يلاحقها ويُدخلُ في وسطها مبتهجاً وهو يلهو باللعب والقفز داخلها ويسير معها حيث سارتْ.

وأَمَّا (عِْرْسِ السِّكِن) باللغة الدارجة في بلدة الحوطة المذكورة تعني: الزواج وأَمَّا السِّكِن فتعني الجِن، والسِّكِنْ هي التسمية الشعبية للجن وواحدها سِكْنِي وواحدتها سِكْنِيَّة، وكان كبار السن ينهوننا عن ذكرهم وأن نقول: جِنْ أو سِكِن أو شياطين ويخافون من ذلك ويتشائمون وينصحوننا بقولهم: لا تطرِّيْهُم !؛ الله يقاصرهم ويقاصرنا بالإحسان، لاعتقادهم بأن ذكرهم يؤذيهم وبالتالي هم ينتقمون ممن يذكر اسمهم ويُسَمُّونهم: سِكَّان الأرض، أي هم يسكنون ويجاورون البشر في كل مكان على الأرض ويلزم عدم إيذائهم وإزعاجهم بصراخ أو رفع صوت أو إغلاق الباب بعنف وشدة أو سكب الماء الحار على الأرض بدون التسمية وقول: باسم الله، لذلك ينهوننا عن إزعاجهم بإصدار صوت مزعج أو ضرب جدار أو غناء بصوت مرتفع كما أسلفت ويقولون: لا تِخْطَفْ!، لا يخطفونك سكان الأرض !، وإذا أزعجنا كبار السن برفع صوت أو غناء أو قرع شيء ما وغضبوا منا غضباً صاروا يدعون علينا ويقولون: لا تْخَبِّطْ جِعْلِكْ تِخْطَفْ في سكان الأرض !، ومعنى قولهم: لا تْخَبِّطْ! أي لا تَضْرِب ! والخَبْطُ هو الصوت المرتفع من ضرب أو قَرْعِ شيء ما.   

وأمَّا الزوبعة فهي ظاهرة طبيعية خلقها الله في جو الكرة الأرضية وتتشكل بسبب اختلاف درجات الحرارة التي تؤثر على الضغط الجوي وأَمَّا ربط الزوبعة بالجن في الموروثات الشعبية فيعود إلى عدم معرفتهم للسبب العلمي لتفسير هذه الظاهرة ولذلك فأسهل طريقة عندهم هو إحالتها على الجن.

 وأَمَّا أهل الشرق منذ القدم وعندهم عادات شعبية ومنها استعراضات خوارق وقرع للطبول وضرب للدفوف وحرق للأبخرة والروائح وطقوس لاستحضار الجن وأرواح الأسلاف للتواصل معهم كالشامان والباز ونحوه وانتشرت منهم في أصقاع الأرض. 

وهذا في سياق تاريخي بحت ولله الحمد والمنة على تطور العلم وانتشار المعرفة في أنحاء العالم. 

(أُعِدَّتْ مُلَخَّصَةً من المصادر المخطوطة القديمة والمصادر المطبوعة وبالله التوفيق).
مصدر الصورة: الإنترنت.
 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق