الأربعاء، 22 يونيو 2022

الأشراف الأخيضرية عند ابن خلدون الحضرمي الأندلسي في تاريخه (الخبر الثاني).


هذه المُفرَدة التاريخية تتحدَّث عن ما أَوْرَدَهُ المؤرخ عبدُالرحمن بن محمد ابن خلدون الحضرمي الأندلسي (732 – 808 هجرية) في تاريخه المُسَمَّى (العِبَر وديوان المُبتَدأ والخَبَر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصَرَهُم من ذوي السُلطان الأكبر، تحقيق حسان عبد المنان، ط4، 2012م، لبنان، بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع، عَمَّان، الأُردُن، ج1) المشهور بتاريخ ابن خلدون عن الأشراف بني يوسف الأخيضر الحسنية الهاشمية القرشية في موضعين من كتابِهِ المذكور، وأَمَّــا الخبر الأول في الموضع الأول فهو خبرٌ مُختَصَر، ج1، الصفحة (1006) وأَفْرَدتُ له مُفردَة سابقة، وأَمَّا هذه المفردة عن الخبر الثاني في الموضع الثاني توسَّعَ فيه ابنُ خلدون، ج1، الصفحة (1065-1066) وهذا نص الخبر الثاني في سياق حديثه عن الُّدوَلِ العلويَّة المنسوبة إلى ذراري علي بن أبي طالب:
  
الخَبَر عن دولة بني الأخيضر باليمامة من بني حسن
كَانَ موسى الجَــوْن بن عبدالله بن الحسن المُثَنَّى بن الحسَن السبط لَمَّا اختَفَى أَخَوَاهُ محمدُ وإبراهيمُ طالَبَهُ أبو جعفر المنصور بإحضارِهِمَا فَضَمِنَ لَهُ ذلك.

ثُمَّ اختَفَى وعَثَرَ عليهِ المنصورُ فَضَرَبَهُ ألفَ سوْطٍ، فلمَّا قُتِلَ أخوه محمد المهدي بالمدينة اختَفَى موسى الجَــوْن إلى أَنْ هَلَكَ.

وكانَ من عَقِبِهِ إسماعيلُ وأخوه محمدُ الأخيضر ابْنَا يوسف بن إبراهيم بن موسى، فَخَرَجَ إسماعيلُ في أعراب الحجاز وتَسَمَّى السَفَّاك سنة إحدى وخمسين ومائتين.

ثُمَّ قَصَدَ مكةَ فهربَ عاملُهَا جعفر بشاشات، وانْتَهَبَ مَنْزِلَهُ ومنازلَ أصحابِ السُلْطَان، وقَتَلَ جَمَاعَةً من الجُنْدِ وأَهلِ مكة وأَخَذَ ما كانَ حُمِلَ للإصلاحِ من المَال، وما في الكعبة وخزائنها من الذهب والفضة، وأَخَذَ كُسوةَ الكعبة وأَخَذَ من النَّاسِ نحواً من مائتي ألف دينار.

ثُمَّ نَهَبَهَا وأَحْرَقَ بعضَهَا بعضاً، وأَقَامَ في ذلك خمسين يوماً.

ثُمَّ سَارَ إلى المدينة فتوارَى عامِلُهَا وحَاصَرَهَا حَتَّى ماتَ أهلُهَا جوعاً، ولَمْ يُصَلِّ أحدٌ في مسجدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَوَصَلَ عساكرُ المُعتزِّ إلى المدينة فأفْرَجَ عنها ورِجَعَ إلى مكة وحَاصَرَهَا حَتَّى جهدها الحصارُ، ورَحَلَ بَعْدَ مُقامِهِ شهريْن إلى جدة فأَخَذَ أموالَ التُجَّارِ ونَهَبَ ما في مَرَاكِبِهِم ورَجَعَ إلى مكة، وقَدْ وَصَلَ إليها محمد بن عيسى بن المنصور وعيسى بن محمد المخزومي بَعَثَهُمَا المُعتزُ لقتالِهِ فَتَوَاقَعُوا في عَرَفَة، واقْتَتَلُوا وقُتِلَ من الحاج نحو ألف، وسَلَبُوا الناسَ وهَرَبُوا إلى مكة، وبطلَ الموقِفَ إسماعيلُ وأَصحابُهُ وخَطَبَ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلى جدة واسْتَبَاحُوْهَا ثانيةً.

ثُمَّ هَلَكَ لِسَنَةِ من خُرُوْجِهِ بالجُدَرِيِّ آخرَ سنةِ اثنَتَيْنِ وخمسين أيَّام حرب المُستعين والمُعتز.

وكانَ يَتَرَدَّدُ بالحجاز مُنذُ اثنتين وعشرين سنة، ومَاتَ ولَمْ يُعَقِّب، وَوَلِيَ مَكَانَهُ أخُوه محمدُ الأخيضر وكانَ أَسَنَّ منه بعشرين سنة، ونَهَضَ إلى اليمامةِ فَمَلَكَهَا، واتَخَذَ قلعةَ الخضرمة، وكانَ له من الوَلَدِ محمد وإبراهيم وعبدالله ويوسف.

وهَلَكَ فَوَلِيَ بَعْدَهُ ابنُهُ يوسُفُ، وأشْرَكَ معَهُ ابنَهُ إسماعيلَ معَهُ في الأَمْرِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ.

ثُمَّ هَلَكَ وانْفَردَ إسماعيلُ بِمُلْكِ اليمامةِ وكانَ لَهُ من الإخوةِ الحسن ومحمد وصالح بنو يوسف.

فلَمَّا هَلَكَ إسماعيلُ وَلِيَ مِنْ بَعْدِهِ أَخُوه الحسنُ، وبَعْدَهُ ابنُهُ أحمد بن الحسن.

ولَمْ يَزَلْ مُلْكُهَا فيهم إلى أَنْ غَلَبَ عليهم القرامطةُ، وانْقَرَضَ أَمْرُهُم والبقاءُ لله.

وكانَ بِغَانَة من بلاد السُّودان بالمغرب مِمَّا يلِي البحر المُحيط مُلْكُ بني صالح، ذَكَــرَهُم صاحبُ كتاب زجار في الجغرافيا، ولَمْ نَقِفْ على نَسَبِ صالحٍ هذا من خَبَرٍ يُعَوَّلُ عليه.

وقالَ بعضُ المؤرخين: إِنَّهُ صالحٌ بن عبدالله بن موسى بن عبدالله المُلَقَّب أبَا الكرَام بن موسَى الجَــوْن، وإِنَّهُ خَرَجَ أَيَّامِ المأمونِ بخراسان، وحُمِلَ إليه وحَبَسَهُ وابنه محمد من بَعْدِهِ، ولَحِقَ بَنُوهُ بالمغربِ فكَان لهم مُلْكُ بِبَلَدِ غانة.

ولَمْ يَذْكُــرْ ابنُ حَزْمِ في أعقابِ موسى الجَــوْن صالحاً هذا بهذا النَّسَب، ولَعَلَّهُ صالحاً الذي ذَكَــرْنَاهُ آنفاً في وَلَدِ يوسف بن محمد الأخيضر واللهُ أَعْلَمُ.     

انتهى نصُ الخَبَر الثاني.

ويمكنُ القوْلُ بأنَّ هذا الخبر أشارَ فيه ابنُ خلدون إلى النقاط التالية:  
1 – نسب بني يوسف الأخيضر النازل من الشريف موسى الجَــوْن.
2- ثورة الأمير الشريف إسماعيل نواحي الحجاز.
3 – نزول محمد الأخيضر الأول من نواحي الحجاز إلى نواحي نجد.
4 - غلبة القرامطة على الدولة الأخيضرية.
5 – دولة ملوك بني صالح في غانة.

أَمَّــا ابن خلدون فَيَنْقُلُ مَعلوماتِهِ عن بني الأخيضر من ابن حزم (384 - 456 هجرية)  والطبري (224-310 هجرية)؛ ويَنْفَرِدُ بإيرادِ خبَر نهاية بني الأخيضر حسبما قال النفجان في كتابه (الأمارة الأخيضرية، أيمن بن سعد النفجان، ط1، 1431 هجرية، 2010 ميلادية، دار المؤلف للنشر، عنيزة، السعودية، ص 17).

وما يورِدُهُ ابنُ خلدون من تفاصيل عن ثورة الأمير الشريف إسماعيل استعرضَتُهَا في مُفردات سابقة ونقلْتُ وذَكَــرْتُ بعْضَهَا وما يُعارضِهُا مما ورَدَ من تفصيل في مصادر ومراجع أخرى.

وهنا أستَعْرِضُ مسألتَيْن:

1 – تسَمِّي الأمير الشريف إسماعيل بالسَفَّاك.
2 – غَلبَةَ القرامطة على الأخيضرية تَسَبَّب في سقوط دولتِهِم.
 
ومسأَلة قول ابن خلدون بأنَّ الأمير الشريف إسماعيل بن يوسف الأخيضر الأول الأخيضرية تَسَمَّى بالسَفَّاك فلم أجده في تاريخ الطبري ولم أجدْهُ عند ابن حزم في جمهرَتِهِ وهذا يدعو للتساؤل فالمعلوم أنَّ السَفَّاحين سَفَّاكي الدماء يُلُقَّبون بتلك الألقاب الدمَويَّة لكثرة ما سَفَحَوا من دماء البشر ولا يُلَقِّبُونَ أنفسَهُم بها بل الناسُ مَنْ يُلقَّبَونَهُم بها لأنَّ المُعتَاد أنَّ المُجْرمَ لا يُلَقِّبُ نفسَه بجرمِهِ كأبي جعفر العباسي الذي يلقب نفسه المنصور ويلقبه الناس بالسفاح وكالحجاج بن يوسف الثقفي ومن على شاكلتهم وأَمَّا الشريف إسماعيل فهو خريج مدرسة القاسم الرسي على مذهب الإمام زيد والتصوف واعتزال أذية الناس وتطهير النفس من الآثام ولذلك تلقب بلقب الناصر لدين الله وهو لقب من ألقاب الصالحين الذي أشار إليه مؤرخوا ومحبوا آل البيت النبوي ولم يَتَلَقَّبْ بالسفاك الذي هو من ألقاب الطغاة الشياطين والذي ربما ادعته وسمَّته مؤرخوا العباسية ومن وافقهم ومن نقل عنهم بهذا اللقب في تواريخهم لشيطنة وتشويه سمعة الشريف إسماعيل إمَّا بغضاً للذراري الشريفة العلوية أو إرضاءً لمتبوعيهم العباسية، 
وإذا كان ابن خلدون وهو من رجال القرن الثامن الهجري وأدرك بداية القرن التاسع الهجري نقل معلوماته عن ابن حزم والطبري حسبما ذكر النفجان في كتابه (الأمارة الأخيضرية) فبعد رجوعي لكتابيهما لم أجد الخبر المزعوم بتسمِّي الشريف إسماعيل بالسفَّاك ! ولا أدري من أين نقل ابن خلدون هذا الخبر المزعوم.

وأَمَّا مسألة غلبة القرامطة على الأشراف الأخيضرية وتسببهم في إسقاط الدولة الأخيضرية فسبق لي أن أشرتُ ووضَّحْتُ السببَ الرئيسي لسقوطها في مُفردَة سابقة والواقعتين التي جَرَتْ بين الأخيضرية والقرامطة لمنع القرامطة من عبور نواحي نجد إلى نواحي الحجاز وانكَسَر فيها الأشرافُ الأخيضرية ثابتين في أرض المعركتين وكانَتْ الواقعتان من عوامل إضعاف الدولة الأخيضرية واضطرار الأخيضرية وحلفائهم من العرب لمُهَادَنَةِ القرامطة ولم يَكُن تَغَلُّبِ القرامطة عليهم سبباً مُباشراً في سقوط الدولة الأخيضرية حيث سقطَتْ بعد ذلك برحيل الأشراف الأخيضرية عن دار حكمهم الخضرمة في عام 450 هجرية بسبب دسائس الجماعات السليمانية اليهودية النازلة من اليمن إلى نواحي نجد ورحيل حلفائهم من عرب هوازن إلى نواحي الغرب بسبب القحط ومُضايقات هذه الجماعات النازلة الموالية للعباسية وصنائع البرامكة وغيرهم من الأضداد وافتعالهم المشاكل.

وأَمَّــا عبارة: "وانْقَرَضَ أَمْرُهُم والبقاءُ لله" في كلامِ ابنِ خلدون في سياق حديثه عن انتهاء مُلْكِ الأشراف الأخيضرية أيامَ دولتِهِم  الدولة الأخيضرية: "ولَمْ يَزَلْ مُلْكُهَا فيهم إلى أَنْ غَلَبَ عليهم القرامطةُ، وانْقَرَضَ أَمْرُهُم والبقاءُ لله" كلامٌ من ظاهره الحديث عن مُلْكِ الأخيضرية وسبب سقوط دولتِهِم وأَمَّــا تفسير بعضهم لعبارتُهُ: "وانْقَرَضَ أَمْرُهُم والبقاءُ لله" بمعنَى انقراضِ نسلِهِم فهو مُخالف لظاهر الكلام وخيرُ من يُفَسِّرُ كلامَ ابن خلدون هو ابنُ خلدون نَفْسُهُ عندما يقول في نفس النص: "وهَلَكَ ]محمد الأخيضر الأول[ فَوَلِيَ بَعْدَهُ ابنُهُ يوسُفُ ]الأخيضر الثاني[، وأشْرَكَ معَهُ ابنَهُ إسماعيلَ معَهُ في الأَمْرِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ" هُنَّا عَبَّر ابنُ خلدون بكلمة "الأَمْر" عن الحُكم والسُّلْطَةِ والمُلْك فإذنْ مَقْصُوْدُهُ انقراض الحُكْم وما يَصْدُر عن الدولة والمُلك والسُّلْطَة من أَوَامِر وهناك فرقٌ بين انقراض الأمر وانقراض الذريَّة وهي كلمة استعملها ابن خلدون في مواضع من كتابه هذا واستعملها غيرُه في كتبهم بمعنى أمر الحُكْم والسُّلطان ولو كانَ المقصود انقراض النسل والذرية لقال ابنُ خلدون وانقرضَ نسلُهُم أو ذريتَهُم ومن فَسَّرَ مقصودَ ابن خلدون لعبارتِهِ بانقراض النسل والذرية هو خروج عن ظاهر النص  إمَّــا لقُصُوْرِ علم القائل (المُفَسِّر) أو حقداً منه على ذراريهم لسبب ما وهو قولٌ لم يَقُل بِهِ نسَّابة كابن عنبة الداوودي، جمال الدين أحمد بن علي (748 – 828 هـ) الذي أَشَارَ وعَدَدَّ أعاقبَهُم في العُمدة الكبرى والوسطى والصغرى مثلاً ويُعارِضُهُ تاريخهم ونسلُهم وذيلهم الطويل المُستمر المُثْبَتُ جيلاً بعدَ جيل في المصادر المخطوطة القديمة حتى النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري وبعضها حَتَّى النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري التي لا تزال حبيسة الخزائن، بل إنَّ الأستاذ أيمن النفجان يقول: "أَمَّــا كُتب الأنساب والمُشجرات الطالبية فهي تحتوي على الكثير من المعلومات عن الأخيضريين، فمنذُ القِدَم كانَ للعلويين نِقابات تَحْفَظُ أنسابهم في مدونات، ومشجرات، وهي بالمئات إِنْ لَمْ تَكُنْ بالآلاف والمَطبُوع منها قليل، غالبية المَطبوع منها مُحَققة تحقيقاً ضعيفاً، والمُطلِع على كتب الأنساب العلوية يجِدُ فيها كَمَّاً هائلاً من المعلومات التاريخية المهمة" إلى أَنْ خَتَم الفقرةَ بقوله: "ولذلك أَتَمَنَّى أَنْ تَحْظَى باهتمام المراكز العلمية" (الأمارة الأخيضرية، أيمن بن سعد النفجان، ط ١، ١٤٣١ هجرية، ٢٠١٠ ميلادية، دار المؤلف للنشر، عنيزة، السعودية، ص ١٤) وكما قال بعضهم: " نسابة بني هاشم منهم" فإن ذراري الأشراف الهاشمية عامة والأشراف الأخيضرية خاصة محفوظة تُلحق أطرافُها بالأصول ومُتناقلة جيلاً بعد جيل عند النسابين الأصوليين من الأشراف الهاشمية وحافظوا عليها إثباتاً وتدويناً وامتلكوا الأصول القديمة للأنساب وميزوا وشرحوا الذراري الهاشمية الأصلية من الذراري المركبة غير الأصلية. 
  
وأَمَّــا رأي ابنُ خلدون في نسَب ملوك بني صالح في بلدة غانة في السودان من المغرب وأنهم من الأشراف الأخيضرية سأطرَحُهُ في مُفردة لاحقة بإذن الله.
  
مصدر الصورة:
(كتاب العِبَر وديوان المُبتَدأ والخَبَر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصَرَهُم من ذوي السُلطان الأكبر المشهور بتاريخ ابن خلدون، عبدُالرحمن بن محمد ابن خلدون الحضرمي (٧٣٢ – ٨٠٨ هجرية)، بتحقيق حسان عبد المنان، ط ٤، ٢٠١٢ ميلادية، لبنان، بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع، عَمَّان، الأُرْدُن، وبالله التوفيق).





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق