الخميس، 23 يونيو 2022

(إقفار وانقراض سكان مكة من قريش بعد المئة الثانية) عند ابن خلدون الحضرمي الأندلسي في تاريخه ومن جاء بعد الأشراف الأخيضرية في حكم مكة والمدينة.

 
هذه المُفرَدة التاريخية تَتَحَدَّثُ عن ما أَوْرَدَهُ المؤرخ عبدُالرحمن بن محمد ابن خلدون الحضرمي الأندلسي (٧٣٢ – ٨٠٨ هجرية) عن "إقفار وانقراض سكان مكة من قريش بعد المئة الثانية" في مقدمة (الخبر عن دولة السليمانيين من بني الحسن بمكة ثم بعدها باليمن ومباديء أمورهم وتصريف أحوالهم) في تاريخه المُسَمَّى (العِبَر وديوان المُبتَدأ والخَبَر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصَرَهُم من ذوي السُلطان الأكبر، تحقيق حسان عبد المنان، ط ٤، ٢٠١٢ ميلادية، لبنان، بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع، عَمَّان، الأُردُن، ج ١) المشهور بتاريخ ابن خلدون في الصفحة رقم (١٠٠٦) وهذا نص ما أورده:

(مكة هذه أشهر من أن نعرف بها أو نصفها، إلا أنه لما انقرض سكانها من قريش بعد المائة الثانية بالفتن الواقعة بالحجاز من العلوية مرة بعد أخرى، فأقفرت من قريش ولم يبق بها إلا أتباع بني حسن أخلاط من الناس، ومعظمهم موال سود من الحبشة والديلم.
 
ولم يزل العمال عليها من قِبَل بني العباس وشيعتهم والخطبة لهم إلى أن اشتغلوا بالفتن أيام المستعين والمعتز وما بعدهما، فحدثت الرياسة فيها لبني سليمان بن داود بن حسن المثنى بن الحسن السبط.
 
وكان كبيرهم آخر المئة الثانية محمد بن سليمان وليس هو سليمان بن داود لأن ذلك ذكره ابن حزم أنه قام بالمدينة أيام المأمون، وبين العصرين نحو من مائة سنة، سنة إحدى وثلاثمئة أيام المقتدر، وخلع طاعة العباسية، وخطب في الموسم فقال: الحمد لله الذي أعاد الحق إلى نظامه، وأبرر زهر الإيمان من أكمامه، وكَمَّل دعوة خير الرسل بأسباطه لا بني أعمامه صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وكف عنا ببركته أسباب المعتدين، وجعلها كلمةً باقية في عقبه إلى يوم الدين، ثم أنشد:

لأطلبن بسيفي // ما كان للحق دينا
وأسطون بقومٍ // بغوا وجاروا علينا 
...). 

انتهى القسم الأول من نص الخبر.

وهو خبر بعد خبر وجاء بعد (الخبر عن دولة بني الأخيضر باليمامة من بني حسن) في التسلسل التاريخي ومعلوم أنَّ الأشراف بني الأخيضر هم الطبقة الأولى من الأشراف الهاشمية الأصلية التي حكمتْ مكة المكرمة والمدينة نواحي الحجاز غرب الجزيرة العربية وابن خلدون هنا يورد خبر من حكم مكة المكرمة بعدهم.

أَمَّــا ابن خلدون فَيَنْقُلُ مَعلوماتِهِ عن بني الأخيضر من ابن حزم (384 - 456 هجرية) والطبري (224-310 هجرية)؛ ويَنْفَرِدُ ابن خلدون بإيرادِ خبَر نهاية بني الأخيضر، انظر كتاب (الأمارة الأخيضرية، أيمن بن سعد النفجان، ط 1، 1431 هجرية، 2010 ميلادية، دار المؤلف للنشر، عنيزة، السعودية، ص 17).
 
ويمكنُ القوْلُ بأنَّ في هذا الخبر من نص الخبر أشارَ فيه ابنُ خلدون إلى النقاط التالية:  

1-إقفار مكة من سكانها الأصلية قريش بعد عام 200 هجرية.
2-بقاء عُمَّال العباسية وشيعتهم والخطبة في مكة إلى حين الخلاف بين المستعين والمعتز في بغداد وما بعدهما.
3-حدوث الرياسة في مكة لبني سليمان بن داود.
  
أَمَّا قول ابن خلدون انقراض سكان مكة من قريش ثم إقفارها منهم فيُفْهَمُ من سياق حديثه حدوثُ خلو حاضرة مكة المكرمة وهم قريش الأباطح في الحرم ووادي مكة المكرمة ويعزو ذلك إلى ثورات ذراري الإمام علي بن أبي طالب على الأموية والعباسية كثورة وواقعة محمد النفس الزكية بن عبدالله المحض الحسنية الهاشمية في وادي فخ نواحي مكة المكرمة في أواخر أيام الدولة الأموية عام 169 هجرية وثورات حلفائهم العرب من هوازن وسُلَيْم والعرب الناقمين على العباسية لإقصائهم العرب وتقريبهم للترك والموالي وإرسالهم الجيوش الجرارة بقيادة الموالي لسحق العرب الثائرين كثورة بني سُلَيْم العربية في ديارهم حول المدينة المنورة نواحي الحجاز بزعامة شيخهم الشيخ الأمير عزيرة بن قطاب السُّلَمِيِّ على جور وطغيان والي الواثق العباسي في المدينة المنورة في عام 230 هجرية وبعد هذه الثورات العلوية والعربية رحلتْ ذراري الأشراف العلوية حسنية وحسينية عن مكة والمدينة ودخلوا بوادي سُلَيْم وهوازن في إقليم المدينة المنورة وتركوا ورائهم توابعهم من أعراق مختلفة وأكثرهم من الحبشة والديلم الذين أشار إليهم ابن خلدون وأصبح سكان مكة والمدينة من موالي بني الحسن والحسين ومن موالي العباسية الباغضة للأشراف العلوية وقلة المناصرين لهم في الحواضر، ولذلك فتَفَرُّق بطون قريش بالبوادي يعود سببُه إلى الحالة السكانية التي وصَفَهَا الأميرُ الشريف محمدُ بن القاسم الرسِّي الرسية الحسنية الهاشمية - وهو معاصر لتك الفترة - بقوله: "ولا أَعْلَمُ في أهل المُدُن كلهم أَشد لكُم بُغضاً ومَقْتاً وعداوةً من أهلِ قصبة مكة والمدينة" (مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي (279-198 هجرية)، تأليف/ الإمام محمد بن القاسم بن إبراهيم الرسي عليه السلام، تحقيق/ عبدالكريم أحمد جدبان، ط 1، 1423 هجرية، 2002 ميلادية، مكتبة التراث الإسلامي، صعدة، الجمهورية اليمنية، كتاب الهجرة والوصية، ص 391-393)، ويُلاحظُ قولُه المُدُن وحدد منها قصبة مكة والمدينة ولم يقُل البوادي ولذلك فالإقفار والانقراض عند ابن خلدون يُقصدُ به الديار والمكان بعد الرحيل وليس انقطاع النسل والذرية وأَمَّا ذراري قريش عامة والأشراف العلوية حسنية وحسينية خاصة باقية متفرقة بني العرب وغير العرب داخل وخارج جزيرة العرب إلى يومنا الحاضر وما زالتْ ذراري قريش في باديتها حول وادي مكة حتى يومنا الحاضر ومازالوا على وسم العرقاة + وسم قبيلة قريش القديم المتوارث قبل الإسلام وبعده.

أشَار ابن خلدون بعد ذلك إلى بقاء عُمَّال العباسية والدعاء في خطبة الجمعة للعباسية بعد عام 200 هجرية إلى حين انشغالهم بالخلافات الدائرة بين أحمد المستعين بالله العباسي وأخيه محمد المعتز على الحُكم في بغداد نواحي العراق حيث أخذ المستعين بالله الحُكم بعد وفاة المنتصر في عام 248 هجرية وحدثتْ المشاكل بين الأتراك وغيرهم في نواحي العراق ثُمَّ انتزع منه الحُكمَ أخوه المعتزُ بعد حصار بغداد وحدوث واقعات بينهما ودعى له الخطباءُ على منابر جوامع بغداد في يوم الجمعة الرابع من شهر محرم من عام 252 هجرية ثُمَّ قتل أخيه المستعين في شهر شوال من ذلك العام، ويُلاحظُ هنا اختصار ابن خلدون للعبارة ولم يُشِرْ إلى ثورة الشيخ الأمير الشريف إسماعيل بن يوسف الأخيضر الأول الحسنية في هذه المُدة في عام 251 هجرية لسابق إشارته لها في الخبر السابق وإشارته كذلك إلى نزول أخيه الشيخ الأمير الإمام الشريف محمد الأخيضر الأول بن يوسف الأخيضر الأول الحسنية الهاشمية إلى اليمامة نواحي نجد وسط الجزيرة العربية وتأسيسه للدولة الأخيضرية بها في عام 252 هجرية.
 
وأَمَّا الأشراف الأخيضرية الحسنية الهاشمية من أيَّام الشريف إسماعيل بن يوسف الأخيضر الأول بايعتهم وحالفتهم عرب هوازن وسُلَيم وغيرهم في بوادي إقليم المدينة المنورة على الإمامة وكان العربُ يتحاكمون إلى القضاء عندهم قبل ثورة الشريف إسماعيل على عُمَّال العباسية لتحاملهم عليه في أوقاف بني الحسن السبط العلوية الهاشمية، وبعد استقرار حكمُ الشريف إسماعيل في مكة والمدينة بعد ثورته الناجحة نُفِّذَتْ أحكامُه وقضاتُه وساق الناسُ الزكاة إلى عماله وأَمِنَتْ السُّبُل في نواحي الحجاز واليمن وتهامة ونجد وتوفي شهيداً مسموماً في نحو عام ٢٥٢ هجرية دس له أحدُ مواليه السمَّ بإيعاز من المستعين العباسي، وبعد مقتل الشريف إسماعيل ورحيل الأشراف الأخيضرية بإمامة الشيخ الأمير الشريف محمد الأخيضر الأول من الحجاز نواحي غرب الجزيرة العربية إلى اليمامة نواحي نجد وسط الجزيرة العربية تركوا ورائهم عدداً من مواليهم من أعراق مختلفة ببادية نواحي الحجاز وهم مواليهم وموالي جدِّهم الشيخ الأمير الشريف موسى الجون وموالي أجدادهم الحسنية الهاشمية القرشية العربية في سويقة الينبع وغيرها بالحجاز وهذه الموالي وذراريهم مُضافون ومُرَكَّبُون في سلاسل متبوعيهم الأشراف الهاشمية إضافة تبعيَّة وتركيب وليس عرق وصُلْب وهم معروفون بأسمائهم وألقابهم وتراكيبهم وببُغضهم لذراري متبوعيهم الأشراف الهاشمية الأصلية في كل زمان ومكان وهم مفروزن وسيرهم وأخبارهم وأعمالهم وأعراقهم وذراريهم محفوظة مُتناقلة جيلاً بعد جيل ومنهم من أَخَذَ حُكمَ مكة المكرمة والمدينة المنورة في فترات تاريخية.   
 
وأَمَّا بعد نزول محمد الأخيضر الأول من الحجاز إلى نجد لم تحكُمْ الأشرافُ الأخيضرية الحسينة مكةَ المكرمة في فترة الدولة الأخيضرية (450-252 هجرية) ولا بعدها (بعد سقوطها عام 450 هجرية) وإنما حكمَ مكةَ المكرمة في فترة الدولة الأخيضرية (450-252 هجرية) توابعُهم المُرَكَّبُون في نسب الأشراف الأخيضرية الحسنية فمنهم من يعترفُ بتبعيَّته لمتبوعيه الأشراف الأخيضرية الحسنية باليمامة حينها ومنهم من تَمَرَّد وسَلَّ السيفَ عليهم وعلى حلفائهم من العرب وخَلَعَ طاعتهم مثل التابع شكر الله البربري ومنهم أَخَذَ حُكمَ مكة المكرمة في فترة ما بعد سقوط الدولة الأخيضرية بعد عام 450 هجرية ودخول الأشراف الأخيضرية في بوادي العرب مثل التابع (هـ) البربري في القرن التاسع الهجري الذي أخذ حُكمَ مكة من التوابع الآخرين ثُمَّ لم يلبثْوا أنْ استنصروا بإخوتهم من التوابع الآخرين المُتخفين في حلف وأنساب القبائل العربية وأخرجوه منها.

وأَمَّا الأشراف الأخيضرية الحسنية الهاشمية هم أول طبقة شريفة هاشمية أصلية حكمتْ مكة المكرمة والمدينة المنورة نواحي الحجاز غرب الجزيرة العربية ثُمَّ بعد ذلك جائتْ طبقاتٌ أخرى أخَذَتْ الحُكْمَ والأمارةَ فيهما وهذه الطبقات اللاحقة سيرها وتفصيلات أنسابها الأصلية القديمة مُتناقلة جيلاً بعد جيل ومحفوظة في مظانها.

وإذا كان الأشراف الأخيضرية الحسنية أول هاشميون أصليون حكموا مكة المكرمة والمدينة المنورة فإنه يُوجدُ من توابعهم خاصة ومن توابع الأشراف بني الحسن السبط عامة حكموهما بعدهم في فترات تاريخية بل وحكمهما منهم توابع التوابع وتوابع توابع التوابع وهلم جراً من تراكيب هذه التوابع.


وإذا كانت مكة أقفرت من الأشراف العلوية الهاشمية فقد نقل وبين ابن خلدون تفاصيل ظهور الشريف إسماعيل بن يوسف الأخيضر الأول في الخبر الذي قبله ولكنه لم يورد في هذا الخبر تفاصيل خروج سليمان بن داود بن الحسن السبط في عام 301 هجرية أيام المقتدر العباسي وكيف حدثت الرياسة بمكة لبنيه وكذلك لم يورد سلسلة نسب محمد بن سليمان الذي قام بالمدينة المنورة أيام المأمون ليتبيَّن الفرق بينهما في السلاسل مع العلم أن ابن حزم أورد سلسلته هكذا محمد بن سليمان بن داود بن الحسن المثنى ثمَّ عدَّه ابنُ خلدون كبيرَ بني سليمان بن داود بن الحسن المثنى ! فكيف يكون الابن سابقاً لأبيه بمئة سنة إلاَّ أَنْ يكون الأب معمَّراً وهنا خَلْط عند ابن خلدون سببه التركيب في السلاسل وأضف إلى ذلك أنَّ ابن خلدون أورد سلسلة شكر بن أبي الفتوح في موضع لاحق من كتابه هكذا شكر بن أبي الفتوح حسن بن جعفر بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن المثنى وقال لما مات شكر ذهبتْ الرياسة من بني سليمان بينما أورد له ابن حزم سلسلة غيره هذه وهي شكر بن أبي الفتوح حسن بن جعفر بن محمد بن حسن بن محمد بن موسى بن بن عبدالله أبوالكرام بن موسى الجون بن عبدالله المحض بن الحسن المثنى وهو بذلك في نسب داود بن الحسن المثنى عند ابن خلدون بينما هو في نسب عبدالله المحض بن الحسن المثنى عند ابن حزم ! مع العلم أنَّ السلسلة التي أوردها ابن خلدون لشكر بن أبي الفتوح حسن فيها محمد بن سليمان بن داود بن الحسن المثنى وهي نفس السلسلة التي أوردها ابن حزم وصاحب كتاب المَجدي لمحمد الملقب البربري الذي أخذ المدينة المنورة المنورة أيام أبي السرايا في وقت المأمون.  
    
مصدر الصور:

كتاب (العِبَر وديوان المُبتَدأ والخَبَر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصَرَهُم من ذوي السُلطان الأكبر المشهور بتاريخ ابن خلدون، عبدُالرحمن بن محمد ابن خلدون الحضرمي (٧٣٢ – ٨٠٨ هجرية)، بتحقيق حسان عبد المنان، ط ٤، ٢٠١٢ ميلادية، لبنان، بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع، عَمَّان، الأُرْدُن، وبالله التوفيق).

كتاب (مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي (198-279 هجرية)، تأليف/ الإمام محمد بن القاسم بن إبراهيم الرسي عليه السلام، تحقيق/ عبدالكريم أحمد جدبان، ط 1، 1423 هجرية، 2002 ميلادية، مكتبة التراث الإسلامي، صعدة، الجمهورية اليمنية، كتاب الهجرة والوصية).














ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق